محمد أديب السلاوي: الكتابة في بلدنا لا تجدي نفعا
محمد أديب السلاوي، صحافي، ومحلل سياسي، وناقد أدبي وفني، وكاتب اجتماعي، أنجز، خلال العقود الخمسة الماضية، مصنفات في تاريخ الشعر العربي، وتاريخ القصة والرواية، والتشكيل المغربي والمسرح المغربي، كما أنجز مصنفات في الرشوة ،والمخدرات، والفساد الانتخابي بالمغرب، والفساد السياسي والمالي، والإرهاب، وتاريخ الأحزاب السياسية، والجهوية، ونشر، داخل المغرب وخارجه، أبحاثا ومقالات تؤكد موسوعيته وموقعه المتميز في ساحتنا الإعلامية والثقافية.
ازداد بمدينة فاس، سنة 1939، وتابع دراسته الابتدائية والعليا بمسقط رأسه، وبعدها قام بعدة تداريب مهنية في الإعلام والصحافة، بمصر، ولبنان، وألمانيا الغربية.
بين1961 و1983 عمل محررا، وسكرتيرا للتحرير، ومديرا للتحرير بعدة صحف مغربية، منها جرائد “الأنباء”، و”العلم”، و”الصحافة”، و”التكتل الوطني”.
كما عمل بين 1983 و1990، رئيس تحرير بمنظمة الطيران والفضاء البريطانية، وملحق بإدارة التدريب الجوي، للقوات الجوية الملكية بالمملكة العربية السعودية. وبين 1991 و1997، عمل مدير رئيس تحرير الجريدة الشعبية، وبين 1997 و2004، عمل مستشارا في الإعلام والاتصال بوزارة المياه والغابات، ومستشار بوزارة الصيد البحري، ومستشارا بوزارة التكوين المهني. ومن 2004 إلى 2007 شغل منصب منسق عام لجمعية الزاوية الخضراء للتربية والثقافة.
حصل على الميدالية الذهبية عن أبحاثه في الفن التشكيلي المغربي من البنيالي العالمي للفنون التشكيلية بالقاهرة. وفي1984 ، حصل على جائزة الكتاب عن التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة، من معرض الكتاب بدمشق.
متى كانت بدايتك في ميدان المتاعب، وما هو أول عمل أنجزته؟
ـ انطلقت تجربتي سنة 1961، إذ كنت أصدر جريدة مستقلة، ثم التحقت بجريدة “العلم”، وابتداء من سنة 1966 إلى 1967 احترفت العمل الصحافي، حيث التحقت بجريدة “الأنباء” ثم عدت إلى “العلم”، وبعدها أصدرت جريدتي الخاصة “جريدة الصحافة”، وبقيت بها أحترف الصحافة إلى يومنا هذا.
ما سبب الانتقال من جريدة إلى جريدة، من “الأنباء” الرسمية إلى “العلم” الحزبية إلى التجربة المستقلة؟
ـ لم تكن في ذلك الوقت صعوبات، كما أنني أولا لم أشتغل موظفا بجريدة الأنباء، بل عملت فقط صحافيا، ومحررا للشؤون الأدبية والفنية، ثم انتقلت مباشرة إلى جريدة “العلم” بصفة متعاقد وككاتب ومن ثمة أخذت طريقي، ولم يسبق لي أن تحزبت أو دخلت إلى حزب ما، لكي أكون خاضعا للشروط التحريرية له، إذ عملت دائما كمتعاقد.
إذن هل يتعلق سبب الانتقال، بظروف مادية؟
ـ لا ظروف العمل هي السبب الرئيسي، الذي كان يجعلني أنتقل من منبر لآخر. وظروف العمل هي التي جعلتني أنتقل من جريدة الأنباء في الأول إلى جريدة العلم، إذ كان في ذلك الوقت أحد أصدقائي هو المسؤول عن الجريدة، وهو السي محمد الطنجاوي، ثم جرى تغييره وجاؤوا بمدير جديد، ما كان لي أن أتفاهم معه فاخترت تغيير المنبر بكل بساطة، بعد ذلك أسست جريدتي واستمريت فيها بشكل أسبوعي، حوالي خمس سنوات.
ما هي الإضافة التي جاءت بها جريدة الصحافة للمشهد الإعلامي؟
ـ الصحافة المستقلة كانت في ذلك الوقت بعض الشيء صعبة، ولكن كنت أنا في الواقع اكتسب تجربة مهمة باستمرار في الصحافة اليومية، إذ قمت، في الوقت الذي كنت فيه في جريدة الأنباء بتداريب في الصحافة الأجنبية، كما أجريت تدريبا وقتها في طهران، ثم تدريبا آخرا في دير شبيجل الألمانية. وبالنسبة إلى تجربتي، فكنت أفكر دائما في الشيء الجديد، الذي يمكن أن يثمر عن تجربة جريدة جديدة مستقلة أسستها، وكان طابعها ثقافيا أكثر منه سياسيا، ولو أنها كانت أسبوعية، وكانت تعنى بالخبر السياسي وبالتعليق السياسي، لكن الطابع العام كان ثقافيا وأدبيا.
هل تعرضتم لمضايقات من طرف وزارة الداخلية في ذلك الوقت؟
ـ في ذلك الوقت لم تكن هناك أي مضايقات، كانت المشكلة تكمن في التمويل، يعني مشكلا ماديا، أما المضايقات في ذلك الوقت فلم تكن مطروحة. ولم تكن جريدة إيديولوجية، أو جريدة تخوض في العمل السياسي، إنما كانت جريدة ثقافية محضة، رغم أنها تعنى ببعض الجوانب في السياسة المغربية آنذاك.
طيلة الخمسين سنة من العمل الصحفي، هل يمكن التحدث عن قيمة مادية أعطتها الصحافة للسيد أديب السلاوي؟
ـ ماديا، بعد 50 سنة من العمل في الصحافة، داخل المغرب وخارجه، أعيش اليوم دون راتب، ودون تقاعد، ودون تغطية صحية، وغدا إذا لم اكتب لا يمكنني أن أعيش، وأحيانا أجد صعوبة كبيرة في الحياة، إنني أقصد صعوبة في العيش اليومي.
ورغم أنني، خلال هذه الخمسين سنة، أصدرت حوالي 30 كتابا في السياسة، وفي الثقافة، وفي المجتمع، وفي الأدب، وجرت ترجمة بعض منها إلى لغات أجنبية، ورغم أنني نلت عددا كبيرا من الجوائز الدولية، بفضل كتبي وأبحاثي، لكنني اليوم، وأنا في السبعنيات من عمري، أعيش دون راتب ، ودون تغطية صحية، ودون تقاعد، وأجد صعوبة كبيرة في تدبير معيشتي.
بالنسبة لمؤلفاتك، كتبت في كل الميادين إلا ميدان الصحافة، ما تقييمك للعمل الصحافي بالمغرب؟
ـ عندي مذكرات طويلة، وأنا الآن منكب على تنقيحها، وأتطرق من خلالها إلى هذه التجربة المريرة في العمل الصحافي، الذي لا يمكن الاعتماد عليه لتدبير العيش، أنا اليوم أصدر معدل ما بين كتاب إلى كتابين في السنة وفي هذه السنة، أي سنة 2010 صدر لي ثلاثة كتب، صدر لي كتاب “مائة عام من الإبداع التشكيلي في المغرب”، وكتاب “السلطة المخزنية”، و”تراكمات الأسئلة”، كما صدر لي كتاب “أية جهوية لمغرب القرن 21”.
ثلاثة كتب، لكن ثلاث كتب لا يمكن أن تضمن لي عيش شهر واحد في حياتي، لأن الكتاب لا يعطي أي مردودية مادية، ومع الأسف إنني ككاتب راسلت جهات عديدة أحكي لهم عن حالتي، ولكن لا جواب.
وهذا شيء مؤسف، بمعنى أن الكتابة في هذا البلد لا تجدي نفعا، الكتابة ليست لها أي مردودية وأن تكون كاتبا أو لا تكون هذا لا يعني أي شيء.
ماهي الطرائف التي تتذكرونها في مساركم المهني؟
ـ الطرائف كثيرة، التي جاءت في حياتي المهنية، مثلا أنني تعاملت مع ناشر وأعطيته ثلاثة أو أربعة كتب، ولما عدت إليه من أجل المحاسبة، قال لي ليس عندي لك شيء. قال لي إنه لما أصدرت كتابك أعطيتك 50 نسخة، وهذا هو نصيبك، فوجدت نفسي، بين خيارين، إما أن أعرض الأمر أمام أنظار المحاكم، أو أنصرف إلى حال سبيلي.
من الطرائف، أيضا، أنه دعاني زعيم سياسي كبير في هذا البلد، لكي أصدر له جريدته اليومية، وعملت له تخطيطا للجريدة وأصدرتها له. بعد ذلك قال لي إما أن تتحزب معنا، وإما أن تذهب إلى حال سبيلك. الأمر الذي جعلني ألجأ إلى القضاء، بعدما أوقف أجرتي وأجرة العاملين، الذين جلبتهم معي.
هناك طرائف كثيرة في هذا الميدان إذا تحدثنا عنها يلزمنا تأليف كتب. والآن أنا بصدد كتابة مذكراتي بخصوص 50 سنة من العمل في الصحافة ونتيجتها، مع كامل الأسف النتيجة سلبية تماما بالنسبة لي.