“ثقافة المخزن” تستيقظ من رقادها في المغرب
“ثقافة المخزن” تستيقظ من رقادها في المغرب
إن المشهد اليومي المتكرر، بشارع محمد الخامس بالرباط/ أما البرلمان، وبالعديد من الجهات المغربية، حيث تستعمل الشرطة وفرق التدخل السريع والدرك، وقوات الجنرال حميدو العنيكري المساعدة، كل أساليب العنف ضد العاطلين والمعطلين، من خريجي المعاهد والمعاهد والجامعات ومن المطروديين من المعامل والمقاولات التي تعلن إفلاسها تباعا خلال الشهور الأخيرة وضد المظلومين والمهمشين والفقراء والمقهورين بالغلاء، إن هذا المشهد، يؤكد للملاحظين والمراقبين والمتتبعين، من إعلاميين وسياسيين، أن “سلطات الغرب” استدعت في غفلة الجميع “الثقافة المخزنية” من رقادها، لإدارة الشأن العام من جديد، لتقبض بقوة وعنف، على رقاب المواطنين، من جديد، معتمدة كما كان أيام الجنرال أوفقير والضابط الممتازفي إدارة الأمن الوطني إدريس البصري، على القوة الأمنية في تصريف الأمور، والابتعاد مجددا عن “المفهوم الجديد للسلطة” اللائق بدولة الاستقلال، وبقيمها وتطعاتها وشروطها، من المحزن حقا أن ثقافة العنف الأمني، ورغم اصطدامها المستمر، بأشكال من النضال الاجتماعي والسياسي، وباحتداد أشكال المطالبة السياسية التي تقودها القوى الوطنية في مختلف توجهاتها من أجل لاديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون، ومن أجل تصحيح مفاهيم السلطة السياسية والقانونية والدستورية، فإن الحكومة ومرسساتها الأمنية، ماضية في ترسيخ “ثقافة العنف” وتجذيرها على أرض الواقع، ضدا في المنطق محيرا: إلى أين ستقود هذه الثقافة، المغرب والمغاربة في عهد الحداثة والعولمة؟
****
إن المشهد اليومي المتكرر، للعصى التي تضرب بقوة وعنف العاطلين والمعطلين والمقهورين والمهمشين، وحتى المعطوبين والمعاقين، وللتعذيب الذي تستعمله المخافر والمعتقلات، ضد القوانين والاتفاقيات الدولية، والاختطافات التي يتعرض لها بعض اتلمناضلين الحقوقيين والسياسيين… ضد العدالة، والتجاوزات التي تحدث ضد القانون داخل السجون… يعطي الدليل القاطع، أن الثقافة المخزنية، المثقلة بالصراعات والتجاذبات، والمصابة بالترهل والانسداد الفكري، عمقت إلى حد بعيد معارضتها للتحديث، وللنتقال الديموقراطي، ورسخت في المجتمع العريض من جديد، حتى بعد رحيل البصري ومن قبله أوفقير، الإحساس بالخوف والإحباط والتذمر والاحتقان، بعدما جعلت من رجل الأمن/ من الدركي/ من رجل القوات المساعدة/ ومن رجل السلطة، حاكما نيابة عن الحاكم، وهو ما سيؤجل حتما، لسنوات أو لعقود، عملية التغيير المطلوبة… وهو أيضا ما سيصيب دولتنا الشابة، بما يشبه مرض الشيخوخة الذي يحد من قدرتها على الصمود في وجه الحداثة والعولمة
إن الصور التي تفرزها مشاهد العنف المتكررة يوميا بالشوارع والساحات أمام البرلمان والوزارات والعمالات، بالغرب النافع وغير النافع، تؤكد أن رواسب “الثقافة المخزنية” مؤثرة إلى حد الوجع، في عملية الانتقال إلى “المفهوم الجديد للسلطة” الذي تستدعيه وتشترطه مقتضيات العولمة والعهد الجديد، ذلك لأن الأمر، يتعلق بتغيير “عقلية” صنعتها هذه الثقافة على مدى أجيال متلاحقة لإدارة الشأن العام على الرقعة الترابية بمقاييس ومواصفات وتوجهات أصبحت بعيدة عن هذا العصر ومستحقاته، وهو ما يتطلب باستعجال تفكيك الجهاز الأخطبوطي الذي رعته هذه الثقافة وغذته بمفاهيم العنف وأدواته لعقود طويلة كما يتعلق الأمر من جانب آخر، بتأسيس علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع، قوامها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان
****
عندما أطلق الملك الشاب محمد السادس في بداية عهده بالحكم، شعار “المفهوم الجيد للسلطة” كانت هناك جملة من المؤثرات، تدفع في اتجاه الاعتقاد، بأن البناء التقليدي للسلطة السياسية، سيخضع لعملية إعادة هيكلة تحديثية، خاصة بعدما برزت لغة سياسية حداثية على مستوى الخطاب الملكي الجديد ومفاهيم للتداول على السلطة، وفصل السلطات ودولة الحق والقانون، ودولة المؤسسات، على محاور هذا الخطاب… ولكن ما يحدث يوميا على يد هذه السلطة من عنف وتجاوزات وفساد يجعل السؤال حائرا
ما هي علاقة المفهوم الجديد للسلطة بالأحداث اليومية المتكررة، أمام البرلمان؟ ما علاقتها بإحداث صفرو وسيدي إيفني، والدار البيضاء وغيرها لا يحصى؟
هل سيمتد هذا المفهوم، إى ثوابت سلطة الهاجس الأمني… أم سيبقى خارجه؟ وما هي حدود هذا المفهوم الإدارية والسياسية والحقوقية بالهاجس الأمني؟
هل سيستطيع هذا المفهوم ذات يوم، توجيه الهاجس الأمني، نحو الخضوع إلى القانون… كيف… ومتى؟
هل سيستطيع هذا المفهوم، إعادة البناء التنظيمي للإدارة الترابية، وإعادة تركيبها وفق الحدود التي ترسمها دولة المؤسسات/ دولة الحق والقانون
****
أن ما يحدث على أرض الواقع، بقدرما يبتعد عن روح هذه الأسئلة، بقدر ما يؤكد أن تحديات كثيرة ومتنوعة، ما زالت تواجه المفهوم الجديد للسلطة وأنها تبقى قائمة على أرض الواقع، تنتج الضحايا والمعطوبين وتعمق الإحساس بالخيبة والإحباط وتزيد من قوة الاحتقان والغضب الشعبي بل تزيد من تعميق الهوة بين الأمة وقادتها في الحكومة والأحزاب والمؤسسات المنتخبة، لحظة بعد أخرى… وستبقى تنتظر إنجاز مراجعة فعلية وعميقة للبناء الأساسي الذي أقامته السلطة لنفسها منذ عهد بإحماد والكلاوي… وحتى عهد أوفقير البصري وخلفائه وهو ما يعني بوضوح وشفافية أن ذلك لا يمكنه أن يتم خارج مراجعة فعلية للنظام الدستوري في اتجاه إقرار دولة الحق والقانون. دولة المؤسسات القائمة على مبدأ فصل السلطات، وتحديد دور كل واحدة منها في صياغة المغرب الجديد.