الكاتب الصحفي محمد أديب السلاوي في حديث لجريدة الحدث
الكاتب الصحفي محمد أديب السلاوي في حديث لجريدة الحدث
لا يمكن للسلام أن يعم، ولا للثقافة أن تتجدر، وشعبنا يعيش ظروفا اجتماعية قاهرة يحيط به الفساد من كل جانب
الصحفي لا تبعده الوظائف عن المهنة إذا لم تقصيه السلطة بالقوانين الجائزة، وبالأحكام الجاهزة
صدر للزميل الكاتب والصحفي محمد أديب السلاوي مؤخرا، كتاب “أطفال الفقر” الذي يعالج من خلاله ظاهرة أطفال الشوارع والأطفال المتخلى عنهم والذين يعيشون في وضعية صعبة، والأطفال المشتغلون والمجبرون على الشغل.
وقد رحبت الصحافة الوطنية المغربية بهذا الكتاب، الذي صادف صدوره الحملة العالمية من أجل حقوق الطفل، ومن أجل تطبيق الاتفاقيات الدولية حولها، خاصة بالعالم الثالث، كما رحبت بصدوره العديد من الهيئات والجمعيات الحقوقية الدولية المختصة.
وبالمناسبة تستضيف جريدة الحدث الزميل العزيز في هذا الحوار، ونتطرق فيه إلى عدة محاور تهم الشأن الإجتماعي الذي صدر للكاتب فيه سلسلة من الكتب، جاء في صلب هذا الحوار:
س: يعالج كتابكم “أطفال الفقر” واحدة من المعضلات الكبرى التي يواجهها المجتمع المغربي الحديث، كما يشكل حلقة أخرى في سلسلة موضوعات أصدرتموها في السنوات الماضية عن المخدرات والرشوة والإصلاحات السياسية والاجتماعية، هل يعني ذلك تحولا في مساركم الثقافي، أي تحولكم من ناقد فني/ ثقافي، إلى ناقد سياسي/ اجتماعي..؟
ج: تعتبر الثقافة كلا لا يتجزأ وهي من المحفزات والدعامات الأساسية لولوج الرهانات التي تفرضها حالة الانتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ، والتي تتطلبها التنمية الشاملة، وحتى يتحقق الفعل الثقافي والانتقال معا، لابد من تحقيق السلم الاجتماعي، وهو تحد يستمد فعاليته من حضارة المجتمع الراهنة، ومن تطلعاته المستقبلية.
هكذا وجدت نفسي، بعدما اشتغلت لسنوات طويلة على القضايا الثقافية البحتة، منساقا إلى مسألة السلم الاجتماعي وربطها بشيوع الفساد: المخدرات/ الرشوة/ الفاقة والجوع والفقر داخل هذا المجتمع، فلا يمكن للسلام أن يعم، ولا للثقافة أن تعمل عملها ويشبعنا يعيش ظروفا اجتماعية قاهرة، يحيط به الفساد من كل جانب، لذلك جاء هذا الانكباب على القضايا التي اعتبرها من صميم التحديات التي تواجه الانتقال الحضاري/ الثقافي المرغوب.
وإن اشتغالي على الموضوع السياسي/ الاجتماعي، يجعلني على يقين بأن القضاء على الفساد والرشوة والمخدرات والفقر والتفوق الطبقي، هو الخطوة الأولى والأساسية التي تمهد لمجتمع مستقر لا تناحر ولا صراعات طبقية بين أشخاصه وطبقاته وشرائحه، وهي الخطوة الأولى التي تمهد للثقافة والفكر والفلسفة والفنون، القيام بعملها في الامتداد الاجتماعي.
إن الطريق إلى الاستقرار الاجتماعي، يكمن قبل كل شيء في تطهير هذا المجتمع من الظواهر السلبية التي ألمت به، والتي حولته إلى مجتمع لا يطيق بنفسه، ولا يدرك هويته… ومن ثمة أرى أن مسؤولية المثقفين عظيمة وكبيرة في هذا الباب، فهم وحدهم يتحملون أعباء إشعاع الفكر الإصلاحي، والدفع بعجلة التغيير إلى أهدافها النبيلة.
إن الرهانات المطروحة أمامنا وأمام مستقبلنا، تلزمنا كمثقفين وإعلاميين وسياسيين، بجعل القضية الاجتماعية ورشة تشاركية، وتلزمنا أيضا بالانكباب على تفكيك مختلف المظاهر السلبية التي تنخر الجسم الاجتماعي وتدعوا إلى التمزق وإلى إعاقة التواصل في الجسد الاجتماعي الواحد.. وهي مسؤولية لا تقبل التأجيل ولا الانتظار.
س: لقد طرحتم بقوة مسألة حقوق الطفل من خلال هذا الكتاب “أطفال الفقر” وبموازاة ذلك طرحتم المناهج المتبعة لإنقاذ أطفال الشوارع والأطفال المتخلى عنهم والذين هم في وضعية صعبة خارج الحدود، فهل يعني ذلك أننا مازلنا قاصرين على تأمين هذه الحقوق بوسائلنا الخاصة؟
ج: إن قراءة تفصيلية لواقع الطفولة في بلادنا، وخاصة بالعالم القروي، تعطي الانطباع أن مستقبل هذه الطفولة مازال بدون أفق، فكل العلاقات التي يمكن الاعتماد عليها للتوقع الموضوعي تنبئ بظلام دامس، فالأمية والفقر والتهميش والمرض يحيط بهذه الطفولة من كل جانب، والدولة لازالت تبدع في أشكال التحايل على مأساة هذه الطفولة بصيغ متعددة منها ابتكار الحملات والجمعيات والتظاهرات والحفلات، في حين أن ظاهرة أطفال الفقر في المدن والقرى تزيد اتساعا على حساب كرامة المواطنين وحقوقهم… إن هذه الظاهرة تضم اليوم ما يقرب من مليوني طفل، يعيشون في العراء، بلا حاضر.. وبلا مستقبل.
نعم، إن الحكومات المتعاقبة، لا تجهل مأساة هذه الطفولة ولا حجمها، ولكنها في نطاق بحثها عن توازنات شكلية، توازنات الواجهة، تناست هذه المأساة أو أجلتها إلى مواعيد لاحقة، وهو ما يجعل منها في الوقت الراهن قضية لا مشكلة.
قضية من شأنها أن تفقد الأجيال ثقتها في الحاضر والمستقبل، ومن شأنها أيضا أن تحول المجتمع إلى حلبة صراع لا تطاق، ولأن ظاهرة أطفال الفقر، ليست ظاهرة مغربية، فهي عالمية، تتواجد بمناطق مختلفة من الأرض، وسبقنا العالم إلى معالجتها بأساليب ومناهج وأطروحات علمية أصبحت معروفة لدى المربين والمختصين.. لماذا لا نستفيد من الأطروحات والمعالجات التي اشتغل عليها الفكر العالمي..؟ ما هو العيب في ذلك..؟ إن الأمر يتعلق بالإرادة السياسية لحقوقنا ولا يتعلق بالمناهج العلمية المتداولة.
إن الخطابات الحكومية المتصلة بهذه المسألة، لا تنقصها الوسيلة، بقدرما تعوزها الغاية، لأجل ذلك، حاول هذا الكتاب تسهيل الأمر عليها، وتقريبها إلى الحلول المحصل عليها، وتقريبها إلى الحلول التي أعطت نتائجها في دول تنتمي مثلنا إلى العالم الثالث، وما بقي عليها سوى إدماج الحلول الجاهزة في سياستها الاجتماعية، لتنقد البلاد والعباد، من ظاهرة تشبه الغول، تلتهم الإنسان/ الطفل وحقوقه.
س: في نطاق هذا الاهتمام بالشأن الاجتماعي أو كما أسميته بالسلم الاجتماعي، يبدو أنكم مازلتم منكبون على بعض جوانبه، فما هو الورش القادم لكتابكم القادم.
ج: بالنسبة لي: كان الشأن الاجتماعي دائما محل دراسة واهتمام في الوقت الذي كنت اشتغل فيه على النقد الأدبي والفني، كنت منحازا إلى الورش الاجتماعي، في العمل المهني، في ذات الوقت كانت مقالاتي وتحقيقاتي ومتابعاتي في الصحافة المكتوبة، تنتمي إلى هذا الشأن الواسع، الذي يستقطب الإنسان ومحيطه وبيئته.. فالأكيد أن الوعي الصحفي/ المهني اتجاه الاستحقاق الاجتماعي، هو الذي يبيح للكاتب الصحفي وضع نفسه في علاقة مباشرة مع شأنه الاجتماعي ومع تراثه، وفي نفس الآن مع عصره، إن مهنيته تفرض عليه ترجمة هذه العلاقة من خلال إنتاج أفكار/ مقالات/ إبداعات، تستمد نفسها من بيئته وثقافته من خلال قيم الماضي/ الحاضر/ المستقبل.
أما عن الورش القادم للكتاب القادم، فهو من صميم السلسلة التي بدأت بإصدارها قبل أربع سنوات، عن الشأن الاجتماعي والانتقال إلى الألفية الثالثة، عنوانه السلطة: تحديات الانتقال ويعالج كما هو واضح قضية في منتهى الحساسية، ليس فقط بالنسبة للشأن الاجتماعي والسلم الاجتماعي، ولكن أيضا بالنسبة لمستقبل الأجيال القادمة من شعبنا.
ومسألة السلطة، لا تخص المغاربة وحدهم، فلربما شغلت هذه المسألة اهتمام النخبة العربية والإسلامية، منذ قرون عديدة، ولكنها عرفت حدتها خلال القرن الذي نودعه، حيث صدرت في شأنها مجلدات ومجلدات، وقامت لأجلها ثورات وسألت بسببها الدماء.
خلال هذا القرن أشتغل على موضوع السلطة، باعتبارها مفتاحا للتقدم والنهوض ومدخلا أساسيا لفضاء دولة الحق والقانون، شرائح واسعة من المفكرين والكتاب والمثقفين، محمد عبده، الأفغاني، حسن البنا، رشيد رضا، علال الفاسي، محمد حسن الوزاني، علي عبد الرزاق، خالد محمد خالد، فرج فودة، محمد أمين العالم، عبد السلام ياسين وغيرهم كثير.
قبل 75 سنة أكد المرحوم علي عبد الرزاق في كتابه الشهير الإسلام وأصول الحكم، أن السلطة هي مفتاح كل انتقال مرتقب والممارسات السلطوية الاستبدادية التي مورست على الأمة العربية والإسلامية هي سبب تخلفها وانتكاستها واستعمارها وتراجعها الحضاري.
وقبل 50 سنة أكد المرحوم خالد محمد خالد، في كتابه الشهير “من هنا نبدأ” إن السلطة وحدها القادرة على التغيير، وعلى تحقيق السلم الاجتماعي، شريطة أن تكون نابعة من العدل، ومن الحق، ومن الشريعة الإنسانية.
وفي العقود الأخيرة من القرن الذي نودعه، ظهرت على الساحة العربية، دعوات متفاوتة حول السلطة، منها من يرفض استقلالها ومنها من يرفض أن تكون لها عباءة دينية.
وعلى المستوى المغربي، طل النقاش حول السلطة حيا في كل عهود الاستقلال، في عهد المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، وفي عهد الملك الجديد للعهد الجديد، جلالة الملك محمد السادس، وهو ما يعني الأهمية القصوى التي تحتلها مسألة السلطة في الفكر المغربي.
لقد حاولت القول –من خلال هذا الكتاب، الذي ستصدره دار “الحدث”- الرباط، قريبا والذي هو الآن قيد الطبع، إن العقل وحده القادر على زعزعة الواقع الاجتماعي الاقتصادي/ السياسي المتردي وزعزعة فساد السلطة وسلطة الفساد ووحده القادر على تغيير المعتقدات السائدة وعلى الانتقال بالمغرب ومن بلد تنهشه الأمية والجهل والمرض والتهميش من كل جانب إلى مغرب قادر على التحدي والمواجهة والتواصل.
وحاولت القول أيضا في إضاءات هذا الكتاب، إن السلطة وحدها تهدد الاستحقاق المرتقب، إذ لم تبادر بتغيير حلولها/ نفسها وتغير عقلها وسلوكها.
س: يعيش الكاتب الصحفي، محمد أديب السلاوي ومنذ عدة سنوات خارج أجواء الجرائد، هل يعني إصداره سلسلة من الكتب خلال هذه الفترة ابتعاده النهائي عن الصحافة.
ج: الصحفي كالسمكة لا يعيش خارج مائه/ خارج أجوائه، أنا منذ كنت وأنا أتنفس من هذه المهنة حتى وإن كنت خارج مكاتبها… لذا لا أعتقد أن تكون الكتب التي أصدرها بديلا للعمل الصحفي، فهي مستقلة عنها، حتى وإن كانت من صميمها.
الصحفي لا تبعده الوظائف والمهام والمسؤوليات عن مهنته، بل السلطة وحدها التي تقصيه أحيانا بالقوانين الجائزة، وأحيانا بالأحكام الجاهزة