الجهة هل تضع المغرب على قاطرة الحداثة
الجهة هل تضع المغرب على قاطرة الحداثة
محمد أديب السلاوي
تعتبر الجهة، في العديد من جهات العالم اليوم، العنصر الحاسم في تعميق الديمقراطية، كسلوك داخل المجتمع، وكمحاولة لاشتراك المواطنين وإعطائهم الفرصة للمساهمة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصيرهم، والعمل على تنفيذها وتتبع سير عملها.
فنتيجة للتركيز والمركزية التي كانت سائدة في العديد من الدول، والتي كانت تغيب بموجبها مصالح المجتمع، حاولت بعضها مثل ألمانيا (دستور 1948) وإيطاليا (دستور 1974) واسبانيا (دستور 1978)، الخروج من هذا الإطار ونهج سياسة جهوية بديلة ومغايرة، توخت بموجبها تحقيق التنمية الشاملة، وفق توازن إنمائي/ اقتصادي/ اجتماعي بين مناطق البلاد واعتبارها أحد العناصر الأساسية لسياستها العامة، واعتبارها أيضا مشروعا لاحتلال مكانة هامة داخل المجموعة الأوربية، وبالتالي داخل النظام الدولي.
وبالرجوع إلى التجربة الجهوية بهذه الدول، يتضح أن مزاباها لا تنحصر في قدرتها على توفير الإطار الأمثل لتوزيع السلطة بواسطة وضع مستويات معبرة لممارستها، ولكنها تمتد إلى إبراز الطاقات الكامنة وإلى التوظيف الملائم للموارد الطبيعية والبشرية، وهو ما يجعلها أداة مؤسساتية، تضمن فعالية التدخلات العمومية والخاصة.
الجهوية بالمفهوم الحديث تعتمد على مجال معين وضروري لتحقيق الانسجام بين عدة وحدات ترابية وإدارية من أجل النهوض بمؤهلات وتسخير إمكانياتها البشرية والطبيعية والمادية في إطار متكامل ومتوازن.
والجهة تعني اصطلاحا، أنها مفهوم يستعمل على شكل تركيبي داخل بلد معين، إذ أنها امثل جزء من المجال الأرضي متموضع داخل إطار طبيعي- جغرافي، يمكن أن يكون متجانسا، ثم تهيئه من طرف مجموعات بشرية مرتبطة فيما بينها بروابط التكاك
وحسب التعريف المغربي، فالجهة هي مجموعة من الأقاليم التي ترتبط أو القادرة على ربط علاقات فيما بينها على المستوى الجغرافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي… علاقات من شأنها تنشيط تنميتها، والتمكن من دراسات بمجموعها، وهي إطار للعمل الاقتصادي الذي تنجز داخله دراسات وتحقيق برنامج من أجل تنمية منسجمة ومتوازنة لمختلف أجزاء البلاد.
ويمكن القول أن الجهة عبارة عن منظومة جغرافية مؤلفة من مجموعة من الوحدات الترابية التي تجمع فيما بينها صفات مشتركة، قد تكون مناخية، اقتصادية بشرية أو تاريخية، أي أنها تتصف بتجانس مكوناتها.
و التجانس الطبيعي ــ الجغرافي والتجانس البشري لا يكفيان لوحدهما كمعيارين لتكوين الجهة، بل هناك عنصر آخر له أهمية قصوى في وجود الجهة، ألا وهو تواجد قطب حضري منشط يستطيع عن طريق إشعاعه هيكلة مجال هذه الجهة.
وبخصوص المغرب لعل أهم دافع نحو التوجه إلى تبني الجهوية كاختيار سياسي إداري واقتصادي يكمن في محاربة الإختلالات السائدة فهو قبل كل شيء، نزوع نحو إعادة تهيئة مجالية جديدة في إطار السعي نحو محاربة ثنائية المغرب النافع والمغرب غير ـ النافع ، وأيضا في إطار فك العزلة عن المناطق الجبلية والنائية وإعادة ذمجها في مسلسل التنمية في مغرب أصبح محكوما عليه رفع شعار التنمية بكل مقوماتها.
لقد أصبح مفهوم الجهة من المفاهيم الحديثة في الفكر السياسي والإقتصادي للمغرب المعاصر ولعل هذه الجدة، هي التي دفعت بالعديد من الباحثين إلى وضع الجهة في قلب انشغالاتهم.انطلاقا من الإصلاحات الدستورية الأخيرة للعام
أ ـ عمق الإختلالات والفوارق الجهوية التي طبعت تنظيم البلاد فترة طويلة من التاريخ، والتي تظهر على مستوى توزيع السكان وتوزيع الإنشطة الإقتصادية والإسثمارات العمومية والخاصة وأيضا على مستوى توزيع التجهيزات الأساسية )تقول الإحصاءات الرسمية أن الجهة الوسطى والجهة الشمالية الغربية تحتكران أهم الأنشطة والتجهيزات. وتضم قرابة نصف سكان المغرب 48.2 % من مجموع السكان على مساحة لا تتجاوز10.1 % من المساحة العامة(.
ب / عجز الدولة المركزية على مواجهة هذه الإختلالات الجهوية بالرغم من مختلف المحاولات الهادفة إلى تقليص الفوار، وكان هذا العجز يعزى في السابق إلى غياب تصميم وطني لإعداد التراب كمرجعية أساسية لتوزيع التجهيزات والإستثمارات، ويضمن التنسيق الناجع بين مختلف المتدخلين، ويحدد دور وظيفة عمل الجهة في إطار من التكامل والتضامن وفق منظور شمولي يرسم الإختيارات الكبرى لتنظيم المجال المغربي.
من هنا جاءت الجهة في دستور 1996 كإطار ملائم لمعالجة هذه الفوارق، ولبلورة مخطط جهوي لإعداد التراب على المستوى الجهوي في إطار التوجهات الوطنية، التي تسمح بإدراك الحاجيات الملموسة وإقامة تنمية مندمجة فعليا، ومرتكزة على أسس من التآزر والتضامن فيما بين الجهات.
إن للجهة قدرة على توفير إطار أمتل لتوزيع السلطة، بواسطة وضع مستويات معبرة لممارستها، تضمن ليونة المساطر والقرب من السكان من حيث التمثيلية والتدبير، وتشكل آداة للمعرفة وإطار جامع المعلومات الضرورية للمقاولات.
كما أن: للجهة قابلية لإبراز الطاقات الكامنة وإمكانيات التوظيف الملائم للموارد الطبيعية والبشرية. تتوخى تحقيق التطابق بين التقييم الإداري والخصائص الجغرافية والبشرية والاقتصادية للتراب الوطني، لكي يصبح هذا العامل الأخير أقل إعاقة لعمل الفاعلين المؤسساتين والاقتصاديين والاجتماعيين .
إذن ما يجب انتظاره بعد دخول الدستور الجديد (2011) حيز التنفيد هو الإسراع باعلان التقسيم الجهوي الجديد وفق ديمقراطية تراعي مختلف الحساسيات السياسية، بالبلاد وبالأخص ذات طابع جهوي تقدمي/ حضاري/ عولمي، وهو ما يعني في نظر العديد من المهتمين والمختصين احداث إصلاحات ذات طابع دستوري، لإعادة صياغة تشكيل صورة الدولة المغربية في جغرافيتها الحق، انطلاقا من صورة ونظام جيهاتها .