محمد أديب السلاوي، كاتب/ صحفي ، يحمل عنادا استثنائيا من أجل المواطنة بقلم عبد الحميد العوني
محمد أديب السلاوي، كاتب/ صحفي ، يحمل عنادا استثنائيا من أجل المواطنة بقلم عبد الحميد العوني
قراءة إذاعية ( إذاعة الرباط ) يوم 8 شتنبر 2001
الفعل الانتخابي هو أعلى سلطة في الممارسة الديمقراطية، بل إن الانتخاب الديمقراطي هو صورة لانتخاب طبيعي يقرره المواطن الإنسان من أجل بقاء. الأصلح و قيادته للمجتمع.
الفعل الانتخابي يوازي، دولة القانون، فهو اختيار و قرار، له قاعدة اجتماعية تتمثل في محو الأمية السياسية، كما أنه قاعدة سياسية تناهض استثمار الأمية الذي كان عنوانا واقعيا و حقيقيا للفساد الانتخابي، المتؤتي من حكم مجتمع أمي، أمية حروف و كتابة، و نخبة تكنوقراطية لها أمية سياسية و نخبة سياسية لها أوبها أمية استراتيجية ( لأنها من دون برنامج عمل ) انتخبت بكل مظاهرها السلبية، لذلك فالأمية المغربية هي أميات مختلفة و هو ما أعاق الاختيار المغربي، لأن الاختيار مسؤولية، و المسؤولية تتطلب هامشا من الحرية، و الحرية ترمي في النهاية إلى حكم القانون لفصل الحدود بين الأنا و الآخر، بين الدولة كرمز مؤسساتي للمواطنة و المواطنة كفعل مدني يدعم المؤسسات، و عليه فالفساد الانتخابي الذي عشناه في المغرب نتاج لفساد مركب و بنيوي بالتأكيد، و هو خلاصة سوسيو سياسية تهم مجتمعا سياسيا تطبع بالانتهازية التي أصبحت مؤسسة على شكل مافيات و لوبيات سخرت كل الدولة لأجلها ، و لخدمة مصالح آنية لا تنفك أن تكون قصيرة البعد و المدى.
فشلنا جعل الجميع يقف عند مطالب التغيير، الذي حدده بتوازن العاهل الجديد،بعد تسرع أقره في استجوابه مع (جريدة الفيغارو الفرنسية)، و حدده الأمير هشام على أساس مؤسسات مستصلحة و جديدة، وبالتالي عمل سياسي جديد،و على كل حال فالخلافات متعددة أبرزها في هذا الباب أن الفساد له أصل و هوية ــ كما يقول تقديم الكتاب الجديد و الرائع للباحث/ الكاتب محمد أديب السلاوي، و هوية الفساد المغربي المتأتي من المخزن كسلطة سياسية، إذ لم يعرف في تاريخه عملية الانتخاب، و إنما اعتمد على التعيين، لإنشاء طبقته الحاكمة أو فئته الخاصة على الأصح، مدعيا أن البلد حافظ على توازن الخارطة السياسية و القيادية ، لأنه وازن بين ( الانتخاب )و ( التعيين )، و هو ما أنتج حكومة بشقين ( وزراء سيادة ) وزراء حزبية ، و هذا التقسيم الجديد للسلطة لا يزال يضع الفعل الانتخابي تحت الوصاية.
إنتاج النخبة إذن هو الإشكالية التي تدخل إلى التزوير الانتخابي، لأن المجتمع ليس له أن ينتج نخبته في حين أن الدولة تنتج نخبتها لإدارة مؤسساتها أي كرجالات للمرحلة الراهنة أو الماضية، و النخبة المؤسساتية أو المعينة تعتبر وريثة لفئة الأعيان و تقادم لطبيعتها النخبة الآتية من الانتخابات.
و هكذا نجد أن السياسة المغربية مهتمة بالتلويث و الإقحامية كما عبر عنها الأمير هشام ــ أو بالفساد و الإفساد كما عبر عنها الأستاذ السلاوي ــ كطبيعة جدلية لنظام تقليدي لا يزال يدافع عن نفسه من خلال البيرقراطية ( العتيقة و العنيفة )المتمثلة في الإدارة ، من خلال بيروقراطية السلوكــ الانتخابي و السياسي ــ الذي يحكم الجميع.
فالفساد إن كان ابنا شرعيا للسياسة و نخبتها كما يقول الكتاب و الباحث الأستاذ محمد أديب السلاوي، فإنه بالمقابل توزيع سيء للمصالح التي تجعل من مصالح الدولة مصالح بيروقراطية لا أقل و لا أكثر، و هو الخطر الأول الذي يهدد الدولة الحديثة، أو تحديث الدولة كما هو مطلوب مغربيا، أما الخطر الثاني فهو المتمثل في صناعة النخبة، التي جعلها المغرب رهانه في الستينات و السبعينات والتي أدت إلى صناعة المؤسسات على المقاس ، وبالتالي جعلت من الروح المؤسساتية عملة نادرة عوضتها الروح المافيوزية للنظام .
و على كل حال، فالإصلاح يجب أن يكون عطاء تقنيا أو إجراء تقنيا جديدا، أو بالأحرى تقنية جديدة لمسايرة اللعبة السياسية ، و دعم بنياتها كما هي، و المطلوب على ضوء تصحيح الانتخابات تصحيح النخبة السياسية نفسها و ربما تغييرها بما يناسب و الأهداف العامة للدولة.
و أكبرمن ذلك و أبعد منه في هذا السياق هو فصل الأخلاق عن السياسة الذي كرسه عهد قديم اعتمد على المخزن ــ كموروث ــ و على الميكيافيلية كفلسفة حديثة ــ فتمت صناعة ” العهد المغربي ” دون تعاقد اجتماعي متطور في حين كان التعاقد السياسي تعاقد نخبوي، ظرفي، صراعي و توافقي، خدم الحد الأدنى و لم يخدم نسب التقدم الضرورية للبلد، و من أسباب هذا الوضع عدم تقعيده على انتخابات نزيهة و على سلوك انتخابي سوي، مبدءه أن الساحة السياسية في المغرب تنتج عن طريق المنافسة الانتخابية الحرة استقطابا ثنائيا يكون حاسما، في حين أن حالة المنافسة المجدولة في المغرب تنتج حالة تشتت حزبي و سياسي، يكرس فساد الأجهزة الحكومية، و يقاوم مراقبتها و تشفيفها ، لكن الخيار الثالث الذي نشهده عند المخزن في مغرب اليوم، هو إصلاح بارد، هو بدوره طريق ثالث بين الإصلاح الجذري و المحافظة المقيتة، و هذه الوسطية و التوازن في الإصلاحات التي تهم الماكروسياسي يعبر عن عدم النظام في إنتقالته دون سقوط في الفوضى أو في الجمود.
و جدير بالملاحظ، أن جل الأوساط المغربية متحفظة ، رغم أن التحفظ قرين المحافظة بل وليدها الشرعي، و رفضها لأول مرة في المغرب يعني البداية التي تتطلب في اعتقادنا نقدا تاريخيا للمخزن، إذ لا نمارس في كتاباتنا سوى نقد سياسي له ــ و لن ينجح النقد السياسي للمخزن دون نقد تاريخي له، كما أن النقد التاريخي للانتخابات ــ الذي يدخل هذا الكتاب في إحدى حالاته ــ لا يسلم بدوره دون نقد سياسي لهذه الانتخابات ، و هو وحده الذي لا يساير في العمق العقلية الإدارية بل يتجاوزها ليكون مؤسسا لممارسة مدنية للفعل الانتخابي في مغرب العهد الجديد.
من جهة أخرى، لابد من تبيان العلاقات الأساسية التي تربط الإدارة التي أصبحت تنتج الأيديولوجيا كما هي حال مؤلفات إدريس البصري و التي استتبعتها كتابات إضافية من تلامذته كالضريف و غيره ــ بالنخبة في حين أن النخبة التزمت بأيديولجيا مستوردة تدافع عن مصالح فئوية، محلية مترابطة بالتاريخ المحلي ( المخزن ) ،فتأسست الانتخابات على أساس أيديولوجية إدارية في المغرب المستقل أدت بطبيعة الحال إلى إفساد الإدارة و إفساد ما ينتج عنها ــ الانتخابات و هو ما جعل العلاقة النقدية البناءة لم تكن وسيلة حقيقية لتخاطب النخبة فيما بينها، من جهة . و من جهة أخرى في تخاطبها مع مجتمعها، لأنها اعتمدت على تجديد نظري أو استيراد نظري في حين اعتمدت العلاقة الإدارية على تدبير مشبوه و مشوه لواقع حي ! و تشوه النخبة و الإدارة دفع إلى القبول بإندماجهما في إطار التوافق، و المغرب في هذا الإطار قد يبدأ من الصفر على أساس الممارسة دون إلغاء المؤسسات أو من الصفر على أساس إلغاء شامل لإصلاح شامل.
و على كل حال تبقى يقظتنا ناقصة حتى في المطالبة بالإصلاح، و الدفاع عنه، لأن هناك بيروقراطية لها تاريخ منذ الاستقلال و إلى الآن، وعليه فالفساد الانتخابي تاريخي، و هذا ما يثبته كتاب الأستاذ السلاوي بشكل بانورامي، لكنه يعلن لنا بتفاؤل عن بداية تاريخية لتجاوز هذا الفساد في الانتخابات القادمة و نعتقد معه أنه سيقل معدل إفسادها، و هو ما يراهن عليه الفاعلون الحزبيون عموما.
أنه تحد قد بدأ، رغم أن الإشكاليات نفسها لا تزال مطروحة، و هو ما يؤكد أن الإدارة السياسية لا تزال تابتا من ثوابت ( المخزن الجديد ) الذي لن يسع في القريب من الزمن إلى تغييرات دستورية قوية حتى لا يتأثر تقسيم السلطة الموروث ، فمعادلة الحسن الثاني في هذا التقسيم قد يكون لها تاريخ إضافي، و المهم هنا ألا نراهن على تزوير الانتخابات ــ كفعل تاريخي لصيق بهذه الممارسة ــ بل بتخليقها و الدعوة إلى نزاهتها…
و المخيف أن نبقى متأثرين أكثر بماضينا ــ و هي عادة عربية عموما ــ و بالتالي بمخزننا ، و هي الصعوبة الكبيرة التي تواجهنا ، لأن رهن المستقبل على أساس الماضي لا يزال معيارا تابتا لا في الاستهلاك الإعلامي لتاريخنا القريب فقط بل يخترق منطق السلطة أو منطق الحكم عموما، فحقيقة المخزن يخدمها هذا الارتباط اللاعقلاني بالتاريخ، في حين أن الحل في ارتباطنا بواقعنا و بمشاكله من أجل حل مباشر لقضايانا بأسلوب عملي، مما يؤكد أن انتقال السلطة من انحرافاتها العملية إلى نبل دورها المؤسساتية هو البداية.
الفساد له ارتباط جدلي و تاريخي بالإفساد و الانتخابات خلاصة للثقة في المؤسسات و لعملها و لثقافتها، و الثقة و الشفافية و العمل معايير ثلاثة لم تكن فيما قبل بالشكل الكافي الذي يضمن دولة القانون و بالتالي نزاهة الانتخابات.
و كتاب الأستاذ أديب السلاوي أو عمله يفيد البداية ،، أي نزاهة الانتخابات ــ كما يفيد النهاية ــ نهاية مسلسل الانتخابات المزورة ــ كما تضعنا صفحاته أمام مقدمة أركيولوجية لفعل الانتخابات و تطورها، حاملا بين سطوره دعوة دفينة لنزاهتها، بأسلوب هادئ يفيد القارئ من داخل المؤسسة أو خارجها.
و الأستاذ أديب السلاوي كما أعرفه يحمل عنادا استثنائيا في قالب هادئ يطبع شخصه و أسلوبه، فيخاطب الآخر بشكل الآخر عن رغبته، و هي نقطة قوية.
و في كل الأحوال، الانتخابات أو الفعل الانتخابي يبقى أسمى فعل ديمقراطي للإنسان المدني العولمي، و المغرب يطالب بانتخابات على غرار دول ديكتاتورية لم تجربهاــ بل يطالب بنزاهتها ، لإخراج الإدارة المغربية من حجرها على المواطنة، و تخليق الحياة العامة التي هي بكل المعايير المطالب العقلانية ، و إن فشل البلد في هذا الرهان أي الانتخابات القادمة ، قد يؤدي ــ كما يقول الكاتب المبدع ــ إلى هجرة ” جديدة ” قد تهدد ما تبقى من نخبتنا، و من عموم أفراد شعبنا المهاجرين بأموالهم أو بأنفسهم باتجاه غرب يعرف رخاءً و احتراما لمواطنته التي تبدأ من احترام الخيار الأول : الانتخابات …