المصطفى البركي: محمد أديب السلاوي، يتصدى للإرهاب
المصطفى البركي: محمد أديب السلاوي، يتصدى للإرهاب
يأتي إصدار ” الإرهاب يريد حلا ” لمحمد أديب السلاوي في وقت ما تزال فيه أثار أحداث ( 16 ماي 2003 ) الإجرامية تتفاعل، آخرها مداهمة أوكار و كهوف مجرمين يتسترون برداء الدين في كل من فاس و مكناس، و التي تستهدف المغرب في كلياته : مواطنه، استقراره الأمني و السياسي، نظامه الديمقراطي، و انفتاحه الفكري و تنوعه الثقافي و توجهه الحداثي، و التزامه بميثاق حقوق الإنسان .
الكتاب جاء يذكرنا بأن مكافحة الإرهاب و تجفيف منابعه التي منها يتغذى هي معركة مستمرة يتصدى لها المجتمع المغربي بكل مكوناته و تجعل من المغرب بلدا ينخرط بكل ثقله و التزاماته الدولية في نطاق محاربة الإرهاب على الصعيد العالمي و ذلك من خلال تقديم مقترحات ووضع حلول جذرية لهذه الآفة التي باتت تهدد أمن و استقرار الأوطان و الشعوب .
في ست إضاءات حاول ( م . أ . السلاوي ) تسليط كاشفاته الضوئية على أخطبوط بات يهدد كيان العالم دولا و أشخاصا و ممتلكات، و تنين بسبعة رؤوس إذا استأصلت واحدا بقيت الأخرى، فقد غدا تنظيم الإرهاب محكما في شبكات معقدة تعمل على الصعيد العالمي .
الإضاءة الأولى تحديد مفهوم الإرهاب
مسألة تحديد مفهوم الإرهاب تطرح نفسها على العالم منذ القرن الماضي ( مؤتمر بروكسيل 1926 )( مؤتمر كوبنهاغن 1930 ) و ما بعدهما من لقاءات و مؤتمرات و اتفاقيات و هي تشغل بال العالم عسكريا و سياسيا و ثقافيا و دينيا، منذ ثمانية عقود من التاريخ على الأقل، دون أن تتخذ لنفسها حلا يرضي البشرية. لذلك تبقى قضية وضع تعريف متفق عليه لمفهوم هذه الظاهرة، واحدة من المشاكل المستعصية الحل، فالإرهاب فعل رهيب، يهدد الإنسانية بكل الأسلحة، و في كل مكان، ولكنه يفتقد إلى تعريف قانوني موحد يجعل الاختلاف حوله، يمتد من السياسي إلى القانوني، و من الشرعي إلى الاقتصادي و الاجتماعي، يتخذ أبعاده ضمن الصراع الدائر بحدة و عنف بين شرق العالم و غربه، و من خلال هذه الإضاءة حاول ( م . أ . السلاوي ) تقريبنا من هذه الإشكالية من خلال ملامسة مفاهيم اللغة و الفكر و الدين لهذه الإشكالية المعضلة/ الإرهاب في محاولة لفهم طبيعة الاختلاف القائم بين الدول و الثقافات.
ففي اللغة العربية مصطلح ” الإرهاب ” في القاموس لا يعني إطلاقا ما يعنيه في القواميس الغربية سواء من حيث المفهوم أو اللغة أو من حيث النظرية و الممارسة، فهي تعني كلمة إرهاب في اللغة العربية ” أخاف و أفزع ” إذ جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة ” راهب ” و ارهبه ورهبه و استرهبه ، أي أخافه و أفزعه. و في اللغة الفرنسية تعود كلمة إرهاب حسب العديد من الباحثين في كلمة TERREUR ذات الأصل اللاتيني، و حسب قاموس الأكاديمية الفرنسية فهي تعني رعب و خوف و اضطراب عنيف تحدثه في النفس صورة شر حاضر أو خطر داهم.
و في اللغة الإنجليزية تتكون كلمة إرهاب بإضافة اللاحقة ISM إلى الإسم TERROR، بمعنى فزع و رعب و هول. و تعرف الموسوعة البريطانية الإرهاب بأنه الاستخدام المنتظم للرعب أو العنف، الذي لا يمكن التكهن به ضد الحكومات أو الجمهور أو الأشخاص لتحقيق هدف سياسي.
في المفاهيم الأمريكية تعرف وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون) ظاهرة الإرهاب في تقرير لها نشر سنة 1983 : ( بأنه يعني الاستفادة الغير القانونية المترافقة مع التهديد بالقوة و العنف ضد الأفراد، أو ممتلكاتهم في سبيل إخضاع و إرهاب الحكومات و المجتمعات ).
و تعرفه وزارة الخارجية الأمريكية : أنه ( العنف المعتمد الناشئ من باعث أو دافع سياسي، يتبعه أناس لتحقيق أهدافهم و لإثبات أنفسهم للآخرين، و هم إما عملاء لدول أو أناس يريدون النيل من النظام ).
أما وزارة العدل الأمريكية، فقد عرفت الإرهاب بأنه : ( عمل عنف يسعى في الظاهر إلى تحقيق مجموعات أهداف ) هي:
ــ إرهاب أو إجبار المدنيين على فعل شيء .
ــ ابتزاز سياسي عن طريق الرعب و القهر .
ــ ابتزاز الحكومات
أما مجل الأمن الأمريكي فقد جاء تعريفه للإرهاب : “هو الاستفادة غير القانونية المرافقة مع التهديد لإمكانات و مقدرات أفراد يريدون إرهاب الدول أو الأشخاص بغية إجبارها على تغيير سياستها ).
في الدين الإسلامي يصنف ” فعل ” الإرهاب في نوعين :
عدواني و انتقامي، بالنسبة للصنف الأول ( العدواني ) هو كل جم و قطع للسبيل و فساد في الأرض، أما الصنف الثاني ( الانتقامي ) هو ما يتصل بالمقاومة من أجل الحق، لا ينتمي إلى الجريمة التي حرمها الله، فهو ” فعل ” من أجل الحق ورد الظلم .
ــ في المبادرات الدولية، يعود تاريخ أول مبادرة دولية في شأن تعريف الإرهاب إلى سنة 1937، حيث عقدت بمبادرة ” عصبة الأمم ” الذي يقول بأن الإرهاب هو الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة، من الدول، و يكون هدفها إثارة الفزع و الرعب لدى شخصيات معينة…
في السياسية الدولية : و على مستوى السياسات الدولية، تفيدنا القراءات السياسية التي تمت لإحداث 11 شتنبر 2001 و ما بعدها بمفهومين متباعدين للإرهاب، بينهما تباين واضح و صارم، الأول تتبناه الولايات المتحدة و الدول الغربية التي ترى في الإرهاب كل عنف تمارسه أي جهة ضد مصالحها داخل أرضها و خارجها.
و المفهوم الثاني، و تتبناه دول الجنوب التي ترى أن الإرهاب هو كل سياسة عنصرية استعمارية احتلالية مهيمنة تقف في وجه الشعوب و الأمم المناضلة من أجل التحرر و الانعتاق و حق تقرير المصير، أو تحول دون الدفاع عن حقوق الإنسان و كرامته.
الإضاءة الثانية : إرهاب التطرف… تطرف الإرهاب
يرى المؤلف أن أحداث 16 ماي 2003 بمدينة الدارالبيضاء أخرجت مصطلح ” التطرف الديني ” من عزلته القاموسية، إلى الفضاءات الأمنية و القانونية و الإعلامية و السياسية الواسعة و الشاسعة داخل المغرب و خارجه، ليحتل موقع الصدارة في كافة القراءات التي تمت لهذه الأحداث، التي جعلت المغرب ينخرط مكرها في عولمة الإرهاب، تاريخيا، تعود الإرهاصات الأولى لظهور ” التطرف الأصولي الجديد ” على رقعة العالم العربي، إلى سقوط الخلافة العثمانية و ما خلفته من فراغ أدى إلى ظهور جماعات اتجه خطابها الديني صوب السياسة، و كانت ” جماعة الإخوان المسلمين ” التي كونها حسن البنا أول جماعة للإسلام السياسي، و ظهرت فيما بعد جماعات تنظيمية أخرى مثل ( حزب الله )و ( حماس ). و تؤكد العديد من الدراسات التاريخية أن الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي، كانت المحطة الأساسية التأسيسية، في نشأة التطرف الأصولي الجديد القائم على العنف.
ــ و يعود ظهور الملامح الأولى للحركة الأصولية الجديدة بالمغرب، إلى تسعينات القرن الماضي بعد عودة ” المجاهدين ” من حرب أفغانستان للإشتغال بالإدارة اللوجيستيكية لخلايا ” القاعدة ” في الغرب الإسلامي، بعد انطلاق الحركة الأصولية المسلحة بالجزائر و يرى العديد من المراقبين و الإعلاميين المغاربة، أن أحداث الدار البيضاء ( 16 ماي 2003 ) لم تكن سوى حلقة نوعية و نقلة نوعية داخل سلسلة طويلة من الأحداث نفذها المتطرفون خلال السنوات العشر الماضية.
الإضاءة الثالثة : إرهاب الدولة … دولة الإٍهاب
من الناحية التاريخية، عرف ” إرهاب الدولة ” خلال القرنين الماضيين كإرهاب استعماري و عنصري و سياسي، و ” إرهاب الدولة ” يتجاوز في عنفه ووحشيته مختلف الأعمال الإجرامية العمدية ضد الشعوب و الدول.
و قد استعملت أوربا و الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل هذا الصنف من الإٍرهاب ، ضد شعوب المستعمرات، و ضد دول سيادة، كأسلوب من أساليب العمل و الصراع السياسي بهدف تحقيق مصالح مادية أو عسكرية أو استراتيجية ، و ما تزال الولايات المتحدة و إسرائيل حتى اليوم تعتمدان هذا الصنف من الإرهاب في فلسطين و في العراق.
الإضاءة الرابعة : الإرهاب لماذا يريدون أسلمته ؟
شغلت أحداث الثلاثاء الأسود ( 11 شتنبر 2001 ) بالولايات المتحدة اهتمام حكومات و نخب العالم السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الثقافية، دفعت بقضية الإرهاب لتحتل مكانة غير مسبوقة في الاهتمام العالمي إذا أصبحت محور كل اللقاءات و المؤتمرات و الاتفاقيات الدولية.
و مع أن الإرهاب في شكله و مضمونه، ظل دائما و عبر التاريخ عملا فرديا أو تنظيميا لا لون و لا هوية و لا دين له، فإن الولايات المتحدة هذه المرة، أصرت على أن يكون لحادث الحادي عشر من شتنبر 2001، ملة و دين و هوية و حضارة إذا اتجه عقلها الإعلامي منذ اللحظة الأولى إلى ” الخطر الإسلامي ” .
الإضاءة الخامسة : الإٍرهاب …. و الديمقراطية
يرى مؤلف ( الإرهاب يريد حلا )، أن الإرهاب على اتساع مفاهيمه القانونية و الفقهية و الايديولوجية، كان و ما يزال يتحرك خارج الشرائع و المفاهيم، خارج قوانين المجتمع، فهو ظاهرة مغلقة، لها أنظمتها الخاصة، و شرائعها الخاصة، و ظهرت خلال التاريخ في أشكال عديدة، و أسماء عديدة و كلها لا تعمل بعقيدة و لا بإيديولوجية و لا بدين، و لكنها جميعا تحترق الموت و الدمار و الخراب و الجريمة.
و بالنسبة للمغرب، و حتى زمن متأخر، كان الاعتقاد السائد أن هذه المملكة، بحيادها و انخراطها في الفاعلية السياسية و الديبلوماسية الدولية،الداعية إلى الأمن و السلام و التعايش، مما يجعلها في منأى عن ” الإٍرهاب الدولي ” بعيدة عن جرائمه المروعة البشعة، و لكن تأتي رياح الإرهاب بما لا تشتهي سفن الديمقراطية.
إن موجة التفجيرات التي هزت مدينة الدار البيضاء مساء يوم ( 16 ماي 2003 ) جعلت المغرب ينخرط مكرها في ظاهرة الإرهاب الدولي و يندمج رغما عن حياده و إيمانه بقيم السلم و التسامح و نبذ العنف و الانتصار لفضائل الحوار و التعايش في دوامته السوداء.
الإضاءة السادسة : الإرهاب يريد حلا
بعد تسعينات القرن الماضي اتخذ الإرهاب، كما عرض المؤلف لذلك في الإضاءات السابقة، أبعادا إقليمية و دولية رهيبة، تتجاوز حدوده المحلية و استهدفاته الاقتصادية و السياسية، و أصبح ظاهرة دولية بلا حدود تستقطب السياسة و الاقتصاد و الدين و المجتمع، لدرجة أصبح من الصعب على الأنظمة و الحكومات و الهيآت القانونية، تحديد مفهومها أو ماهيتها و أهدافها.
و مع ذلك تبقى هناك تصورات لمكافحة هذه الظاهرة المحيرة، يستمد بعضها مرجعيته من القوانين و الاتفاقيات الدولية و يستمد بعضها الآخر مرجعيته من واقع الإرهاب نفسه، إلا أن التصور الأمريكي الذي أملته أحداث 11 شتنبر 2001، قد ألغي كل ما قبله، و جعل العالم مكرها على الأخذ بتصوره الوحيد، و في هذا أعدت الإدارة الأمريكية خطتها الافتراضية القائمة على مبدأ : ” من ليس مع أمريكا فهو ضدها ” .