محمد أديب السلاوي الكاتب، الصحفي، الصديق بقلم باهي محمد أحمد
محمد أديب السلاوي الكاتب، الصحفي، الصديق بقلم باهي محمد أحمد
شهادة قدمها الكاتب باهي محمد أحمد، بمناسبة صدور كتاب زميله محمد أديب السلاوي ” الرشوة الأسئلة المعلقة ” و تقديمه في حفل نادي الصحافة بالرباط يوم 21 يناير سنة 2000 .
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات السيدات و السادة الأفاضل
أود في البداية أن أتوجه بالشكر للأخوة و الزملاء الذين أشرفوا على تنظيم و إعداد هذا اللقاء الطيب، الذي يتيح لي شخصيا فرصة زيارة هذا النادي الصحفي و المشاركة في أنشطته، و إن كنت أتمنى أن يتم ذلك في مناسبات سابقة.
و أود كذلك أن أعبر عن سعادتي بهذا اللقاء الذي يتيح لي لأول مرة منذ أن عرفت زميلي الأستاذ محمد أديب السلاوي قبل حوالي 30 سنة مضت. يتيح لي هذا اللقاء تقديم شهادة أمامكم في حق صديق و زميل و أستاذ، جمعتني به منذ الستينات روابط الزمالة المهنية و المعارك الصحفية و الأخوة و الصداقة و الاحترام و إعلاء كلمة الحق و حب الحرية و الدفاع عن كرامة المواطن و التشبث بمبادئ كنا دائما و لازلنا نؤمن بها الإيمان المطلق الصادق، و من تلك المبادئ الإخلاص و الوفاء للوطن، و الدفاع عن المستضعفين من أهله، حتى يكون وطنا تعلو فيه كلمة الحق و ترتفع في سمائه راية الحرية و تصان فيه الكرامة الإنسانية و تحترم فيه كل الآراء الخيرة و الأفكار البناءة و الإيجابية .
و إذا كان الأستاذ محمد أديب السلاوي، يعتبر اليوم واحدا من أبرز الصحفيين المغاربة المحترفين، و أكثرهم حيوية و نشاطا و تجربة و خبرة.فإنه إلى جانب ذلك، يعتبر واحدا من الرواد الذين اهتموا مبكرا بقضايا المسرح المغربي و الفنون التشكيلية و الأدب الروائي و النقد الأدبي و التاريخ المعاصر لبلادنا .
لقد عمل الأستاذ محمد أديب السلاوي، في ميدان الصحافة المكتوبة و المسموعة منذ أكثر من 35 سنة بدون انقطاع.حيث ظلت الصحافة هوايته و مهنته و قضيته و هوايته الأساسية في الحياة.
و لاشك أن من يضع الصحافة في هذا الاهتمام الحياتي، فإنه بذلك يضع نفسه في خدمة قضايا الإنسان و الفكر و الإبداع و الحرية و الديمقراطية، و يضع نفسه محاربا من أجل حقوق الإنسان و حرية التعبير و المساواة بين كافة الناس.
لقد كانت الصحافة لدى جيل الأستاذ محمد أديب السلاوي رسالة و مسؤولية نضالية فكرية و ثقافية و حضارية، قبل أن تكون مهنة و صناعة و تجارة مدادا و مورد رزق.و لعلها ما تزال كذلك حتى اليوم.
و محمد أديب السلاوي أعطى للصحافة و الثقافة المغربية، شبابه، و جهده، و عمره، و عصارة فكره، و لا نريد أن نبحث عما أعطته الصحافة من هموم و نكسات، يخفف من حدتها أنها هموم و أحزان و نكسات مشتركة بين أبناء جيل كامل ممن منحوا حياتهم و جهدهم للكلمة الصادقة و الإبداع و الأدب و نشر الوعي و رسم معالم الطريق، ويمكن القول أنها إذا عمت هانت”.
عرفت الأستاذ الزميل محمد أديب السلاوي في بداية الستينات صحافيا لامعا محترفا جسورا رائدا، ينتظر قراء ذلك الزمن مقالاته و تحقيقاته في جريدة العلم، و الجرائد الوطنية الأخرى بكثير من الاهتمام و العناية.
فقد أصدر سنة 1964 مجلة الطريق التي تعتبر واحدة من أرقى المجلات العربية المغربية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.
و رغم أننا كنا نصدر الجرائد و المجلات في الستينات بوسائل تقنية تكاد تكون بدائية و بإمكانيات مالية منعدمة، فإنني آسف لأقول أمامكم في نادي الصحافة هذا، أن صحافة ذلك الزمن كانت أجود بكثير من صحف ومجلات اليوم، سواء على المستوى التقني أو المهني أو التحريري و على مستوى الانتشار و عدد القراء و التزام الكتاب و الصحفيين، و على مستوى أخلاق المهنة و شرف الكلمة.و الابتعاد عن الشبهات، بما في ذلك الرشوة و النميمة.
حضرات السيدات و السادة الأفاضل
قبل أن يتناول الأستاذ محمد أديب السلاوي بالبحث و التحليل و الكتابة و التأليف القضايا السياسية و الاجتماعية في مؤلفاته الأخيرة.أبدع في مجالات أدبية و فنية، كان سباقا في التعاطي معها. و الاهتمام بها.
فقد نشر كتبا حول المسرح المغربي و الفنون التشكيلية المغربية و الرواية المغربية، و طبعت كتبه في المغرب و في العراق و في سوريا. و نالت اهتمام القراء و الباحثين في المغرب و في العالم العربي .
و نشرت له الجرائد و المجلات العربية في المغرب والمشرق دراسات و أبحاث و مقالات تناولت مختلف القضايا الأدبية و الفنية.
و هو واحد من المراجع الثقافية الموثوق بها في مجال المسرح، واحد النقاد الذين يعتمد بآرائهم و دراتهم في هذا المجال، و في مجال الفنون التشكيلية، و الموسيقى و الآداب المغربية .
و حين اعتقد الجميع أن اختصاص محمد أديب السلاوي هو المسرح و الفنون و الآداب، فاجأ الجميع بدراساته و أبحاثه و كتاباته الرائدة في مجال الفنون التشكيلية التي كان له الباع الطويل فيها، و يعتبر المرجع الأساسي و الموثوق في مجالاتها .
و لقدرته على العمل الصحفي المتخصص ، تم اختيار الأستاذ محمد أديب السلاوي للإشراف على إصدار و تحرير و إخراج إحدى أهم المجلات العسكرية المتخصصة في المملكة العربية السعودية، و كانت سنوات عمله بها تجربة جديدة، و تتويجا و تكريما من إخواننا في العربية السعودية و اعترافا بقدراته و إمكانياته .
و أمل أن تسمع وزارة الاتصال ووزارة الثقافة المغربية بما حققه هذا الكتاب، ليس فقط في الصحافة الفنية أو الصحافة السياسية، ولكن أيضا في الصحافة العسكرية. و هم الذين يعملون بالقول الشائع خطأ ” إن مغنى الحي لا يطرب ” و محمد أديب السلاوي بعد تجربته في السعودية. هو الذي اختار العودة إلى أحضان الوطن، و اختار الارتماء في أحضان مغامرة الصحافة المغربية المستقلة من جديد بنفس الحماس و نفس المبادئ التي آمن بها منذ البداية .
حضرات السيدات و السادة الأفاضل
إذا كان هذا هو محمد أديب السلاوي الصحفي فإن الذين يعرفونه عن قرب يعرفون الجانب الأخر منه وهو محمد أديب السلاوي الإنسان الذي يتميز خاصة بالتسامح و الطيبة و نبل العاطفة، ويتميز كإنسان بالايثار و التضحية في سبيل أقربائه و رفاقه و زملائه و يمنح الآخرين سعادة يشقى هو في سبيل الوصول إليها و قلما يمنحها له الآخرون.
يظهرمحمد أديب السلاوي من خلال كتاباته جادا رزينا ملتزما حتى يكاد القارئ يتخيله شيخا بعمامة .
و هو في حياته اليومية و العائلية و مع أصدقائه إنسان يحب المرح و يعشق الحياة، و يروي النكث و الغرائب التي تجعل جالسه يكتشف فيه جانبا من الصفاء الروحي و الشفافية و فيضا من الحنان و العواطف إلى يغمر بها كل الذين يحيطون به.
بين كتابات محمد أديب السلاوي و حياته اليومية و سيرة حياته،نكتشف روح الفنان من أعماقه، ذلك الفنان الصادق الذي يقال أنه كالشمعة تنير للناس و تحرق نفسها دون شكوى و في صمت. ذلك هو الصحفي و الفنان و الإنسان.
و إذا كان موضوع لقاءنا اليوم، هو تقديم كتاب ” الرشوة، الأسئلة المعلقة ” فإنني أود أن أسجل هذا التحول في كتابات الأستاذ أديب السلاوي منذ صدور كتابه ” هل دقت ساعة الإصلاح ” إن هذا التحول في كتابات أديب السلاوي يجعلني أعتقد أنه يحاول بعد هذا العمر الصحفي، كسر جدار الصمت، و مواجهة ما سماه جلالة الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه ،” مؤامرة الصمت ” في المغرب تلك المؤامرة التي يحاول البعض التستر وراءها و ممارسة ما يمكن أن نطلق عليه الإرهاب الإعلامي، أو الإعلام ذو العين الواحدة. ولغة الخشب و حجب الحقيقة عن الناس .
لقد كثر الحديث في بلادنا عن الحرية و الديمقراطية و دولة الحق و القانون و الدفاع عن الرأي الآخر .
و أعتقد أنه ينطبق علينا اليوم ما ينطبق ذلك على العبد الذي أعطي حريته و حرم من كل وسائل العيش أو العمل. فعاد إلى أسياده يطلب العبودية و الخدمة رافضا الحرية الممنوحة إليه في ظل التجويع و التهديد و عدم الاستقرار.
و إذا كانت الرشوة قد انتقلت في المغرب و في العالم من حالة مرضية شاذة .إلى صناعة و آلة شيطانيته ضخمة فإنني أسجل أمامكم أن الاحتكار في مجال الإعلام و الصحافة يعتبر بدوره أحد أخطر وسائل دعم الفساد و انتشار الرشوة و فساد الذوق العام و انحراف الأخلاق .
و الدولة التي تصر على دعم صحافة الأحزاب فقط، دون اعتبار للصحافة المستقلة، تعمل على تطبيق حكاية العبد و الحرية،و تتجاوز مبدأ المساواة و تساهم في دعم واحد من أخطر أنواع الاحتكار و الإرهاب الفكري.
و أعتقد أن أهم وسائل محاربة الفساد و الرشوة في بلادنا هي الصحافة، الصحافة الحرة التي تفتح أمامها أبواب المكاتب و المؤسسات المغلقة، الصحافة التي يدعمها القارئ وحده، ولا تنال رشوة من أحد .
إذا كنا نريد محاربة داء الرشوة، فكيف نقبل دعم الدواء بالمال لجزء من الصحافة؟
دون أن نتحدث عن أشكال أخرى من الدعم.
و السؤال الذي يحق لنا أن نطرحه اليوم، هو من لا يقبض الرشوة في هذا البلد؟
لأن الأخذين لم يعد أحد يعرف عددهم أن الأستاذ محمد أديب السلاوي في كتبه السياسية و الاجتماعية الأخيرة و منها كتابه عن داء الرشوة، يطرح الأسئلة الصعبة التي تبحث عن أجوبة واضحة.
فهو في كتابه عن الإصلاح السياسي يتساءل : هل دقت ساعة الإصلاح؟
و في هذا الكتاب الرشوة … الأسئلة المعلقة؟
أن أسلوبه في طرح الأسئلة يعتبر في تقديري جوابا ضمنيا يفترض الإيجاب و الرفض في نفس الوقت .
ذلك أن الرشوة في هذا البلد الطيب، لم تعد ظاهرة محدودة في زمان أو مكان. إنها داء فتاك سريع الانتشار و الاداية، و يعسر التحكم فيه بالطرق و الوسائل التقليدية أو حتى الزجرية. و هل بإمكاننا كما يقول الشارع أن نضع رقيبا خلف كل رقيب، مادام الفساد قد عم و الداء قد انتشر.
إن الحكومات و القوانين الزجرية و حتى المواثيق و المعاهدات الدولية لا تستطيع القضاء على داء الرشوة و محاربتها .
و إذا كان هناك كما ذكر مؤلف هذا الكتاب أكثر من 80 نوع من أنواع الرشوة في المغرب فبأي نوع تبدأ المحاربة و أي راشي أو مرتشي يعاقب. و هل للرشوة حد أدنى وحد أقصى أو أنها واحدة؟ وأعتقد أنه يوجد في هذا البلد 30 مليون نوع من الرشوة تبدأ من روض الأطفال و تصل إلى البنك الدولي و صندوق النقد الدولي أن القانون الذي يعاقب على رشوة بالمئات مثلما يعاقب على رشوة بالملايين ليس عادلا. و قد رأينا و سمعنا كيف أن الرشوة الصغيرة اشد عقوبة من الرشوة الكبيرة. بل سمعنا و رأينا كيف استشرى داء الرشوة في أوساط أهل القضاء و العدالة ابتداء من مخفر الأمن إلى محاكم الجنايات و مكاتب المحامين .
و كيف يمكن القضاء على الرشوة إذا كان مختلس المليار من المال العام يمكن أن يتم التفاوض معه على رد ذلك المال بالتقسيط المريح تجنبا للعقاب، و تكون إدارة الحكومة طرفا في الاتفاق.
إن استغلال النفوذ و المحسوبية و خرق القوانين و التملص من دفع الضرائب و تهريب المخدرات و تبييض الأموال و الاختلاسات و التلاعب في الصفقات العمومية و التزوير و الغش و البطالة و إهدار كرامة المواطن… كلها مظاهر صارخة لداء الرشوة.
لذلك فإن القضاء عليها يتطلب ثورة حقيقية و إرادة قوية و شجاعة و مصداقية و شفافية ـــ لا يقدر على النهوض بها سوى رجال الإعلام و الصحافة و جمعيات المجتمع المدني التي يجب عليها أن تأخذ زمام المبادرة الفعلية.
أولا : للدفاع عن حرية الصحفي و كرامته و حمايته.
وثانيا : للوقوف في وجه أي نوع من أنواع الرشوة المغلفة التي تمنح لبعض الصحف .
و ثالثا : بفتح الملفات و اختراق مؤامرة الصمت التي يمارسها البعض حماية و تسترا للبعض الأخر .
حضرات السيدات و السادة الأفاضل
إن هذا اللقاء الذي يمنحني شرف الحديث عن واحد من أعز الزملاء الرواد في مجال الصحافة الوطنية.
هو في نفس الوقت مناسبة لنا جميعا للتنديد بكل أنواع الفساد و ألوان الرشوة و المحسوبية.
و أنني أضم صوتي إلى أصواتكم جميعا لنقول كفى من المغالطات و من الفساد و التنسيب .
إن رياح الإصلاح و التغيير التي هبت على دول العالم، تشمل بلادنا العزيزة، و أن أي إصلاح أو تغيير يجب أن يبدأ من فوق، من أعلى.
فلا يعقل أن تكون فئات قليلة من أبناء هذا الشعب متمتعة بالأجور و التعويضات و الامتيازات الخيالية و الغير معقولة، و تحرم الغالبية العظمى من حق الاحتجاج و إعلان الرفض لعدم المساواة. و الرشوة ليست مرتبطة دائما بالفقر أو الحاجة، إنها مرتبطة بالأمية وباستغلال السلطة و انعدام الضمير المهني و مرتبطة بفساد السياسات.
فليكن هذا اللقاء، و ليكن كتاب الأستاذ محمد أديب السلاوي نقطة انطلاق حقيقية لمزيد من فضح الممارسات الشاذة و المشينة في حق شعبنا .
لتكن صرخة جماعية لإعلان الرفض المطلق لكل محاولات مواصلة سياسية الفساد و تزكية مؤامرة الصمت. و عذرا أن أطلت عليكم فشهادتي في حق زميلي و صديقي الأستاذ محمد أديب السلاوي تحتاج مني إلى ما هو أكثر بحكم معرفتي به و محبتي له و تقديري لجهوده و كفاحه و عصاميته.
و ها هو يؤكد لزملائه انه أستاذ في مهنة الصحافة ، و أستاذ في ميدان الأدب و الفن، و أستاذ كذلك في مجال اختراق الحواجز النفسية و السياسية.