أي إصلاح تسعى إليه حكومة العدالة والتنمية؟
أي إصلاح تسعى إليه حكومة العدالة والتنمية؟
“الإصلاح”: هو شعار العديد من الحركات الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية في زمن الربيع العربي، اثر بشكل مباشر في تطوير مفاهيم الإصلاح، لتصبح أساسية في استمرار الأنظمة وتطوير آلياتها وخدماتها وأهدافها وبرامجها.
وقد عرفت أوربا في عصر النهضة، كما عرفت دول الشرق الأوسط، في بداية هذا القرن حركات إصلاحية عديدة من أشهرها، حركة “ريفورم” الأوربية، وحركة “التنوير العربية”. وكلاهما يعتمدان على النصوص الدينية/ نصوص الانجيل ونصوص القرآن الكريم.
وعن هذه الحركات ظهرت “الإصلاحية” كمصطلح جديد في الأدبيات السياسية بالشرق والغرب تنادي بالتقدم التدريجي، الذي يضمن التكافل الطبقي دون اللجوء إلى التصادم الاجتماعي، ولو أن النزعة الإصلاحية تتفاوت نظرتها من الشرق إلى الغرب، إلى الحرية والملكية الخاصة وتساوي الفرص والتفاوت الاجتماعي والرخاء العام، باختلاف الأنظمة والحضارات، الا أنها في مبادئها العامة ترغب في تحقيق مجتمع الرفاة والاستقرار من خلال السلم الاجتماعي القائم على الديمقراطية… وأيضا من خلال مسلسلات الإصلاح القائمة على الحوار وعلى روح التراضي والتوافق بين الفاعلين السياسيين وأصحاب القرار.
****
و”الإصلاح” ضده الفساد. والفساد الذي يحيط بنا من كل ناحية، هو الأخلاقي والسياسي والاجتماعي والإداري والاقتصادي والمالي، وهو فساد متجدر في بيئتنا المشتركة، يغذيه الجهل والفقر والمرض والبطالة. والرشوة والمحسوبية والزبونية والقرابية السياسية والاجتماعية، وغيرها من “أطعمة الفساد المنتشرة على أرضنا”.
ولأن ظاهرة الفساد، تجدرت في حياتنا منذ عهود الانحطاط والتراجع الحضاري الذي أسقطنا في حبال الاستعمار والحماية، والاستيلاب إليهما، خلال القرن التاسع عشر، ظهر في تاريخنا، مصلحون أصوليون، انبتق عنهم، راديكاليون تقدميون أكثر فهما وتعاملا مع المشروع الإصلاحي النهضوي، من أمثال ابو شعيب الدكالي وشيخ الإسلام مولاي العربي العلوي، والأساتذة علال الفاسي والمكي الناصري، ومحمد بن الحسن الوزاني، وعبد الخالق الطريس رحمهم الله، ومنهم من أطلق على حزبه، حزب “الإصلاح الوطني”، توضيحا لاتجاهه ومسعاه.
وفي عهد الاستقلال، ظلت فلسفة الإصلاح قائمة وحاضرة على الساحتين السياسية والثقافية، فكان خطاب الإصلاح قاسما مشتركا بين فرقاء الساحة، السياسية المغربية. بين الدولة والحكومة بين الأحزاب العلمانية والإسلامية والمجتمع المدني، انطلاقا من أن الإصلاح أسلم وأسهل طريقة إلى التنمية والتطور.
وفي عهد الاستقلال الوطني أيضا عرف المغرب، العديد من دعاة الإصلاح الجدد منهم من يدعو إلى إصلاح المؤسسات، ومنهم من يدعو إلى إصلاح القيم والمفاهيم، وكل دعاة اليوم كدعاة الأمس، زعماء لهيئات ومنظمات وجمعيات لها أكثر من صلة بالإصلاح والإصلاحية؛ ولكن دعواتهم، بقيت خطابا غير قابل للتحقيق.
في المغرب المستقل، كان “الإصلاح” دائما، سيد المراحل، فهو المصطلح الأكثر شيوعا في الأدبيات السياسية، للزعماء والفقهاء والأساتذة المختصين، على مختلف توجهاتهم والأكثر توظيفا في الآليات التي تعمل لإزالة التعارضات القائمة بين عناصر النظام السياسي والاجتماعي، في المنظومة الديمقراطية… ولكن الأمر لم يتجاوز الخطاب. بل ولم يتجاوز الكلمات.
****
وخلال العقود الأربعة الماضية، وبعد أن ضرب الفساد الإداري والسياسي والفقر والبطالة والجريمة والتعثر الجسد المغربي بكل عنف وقوة، ظهرت الرغبة الجماعية الملحة لإصلاحات جدرية ونهائية. خاصة بعد أن قدرت الإحصاءات، أن عدد السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر بحوالي ستة ملايين نسمة من مجموع السكان، وهو ما يفسر بوضوح المستوى المتدني للاقتصاد، والتشغيل وللتقدم الاجتماعي بشكل عام، وأيضا، هو ما يجعل المغرب من بين البلدان الأقل نموا في الميدان الاقتصادي، كما في المجال الاجتماعي، حيث صنف حسب مقاييس برنامج الأمم المتحدة للتنمية في مرتبة متدنية حسب مقياس الدخل الوطني الفردي.
وفي حقيقة الأمر أن الأزمة التي عرفها المغرب بفعل الفقر والفساد خلال العقود الماضية، كانت حادة، ويتداخل على ساحتها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، حيث اصطدمت على أرضيتها الحاجة بالقدرة على الاستجابة لها، والطموح بالممكن، فأصبحت أزمة شاملة، اقتصادية/ سياسية/ نفسية متداخلة، تتردد في أعماق مختلف الأشخاص والشرائح والهيئات والمنظمات. وتنشر ظلالها على المجتمع جميعه، لتطبعه بالاضطراب والفوضى واليأس والتدهور.
بفعل هذه الحالة، ارتدى مفهوم “الأزمة” في المغرب في بدايته طابعا اقتصاديا خاصة بعدما كشفت الإحصاءات الأخيرة، تلك الهوة السحيقة التي تفصل بين الشرائح الاجتماعية في الحقوق والعيش، حيث لاحظت أرقام هذه الإحصاءات أن عشر سكان البلاد، يستهلكون 14 مرة ما يستهلكه المواطنون الأكثر فقرا، وإن الفقراء والأقل من مستوى الفقراء، حاجياتهم الغذائية كبيرة ومتعاظمة، وإن التفاوت بين الطبقات وصل حده في ميادين التمدرس والتكوين والتطبيب والشغل والسكن، والتغطية الصحية والاجتماعية.
بعد ذلك، انتقلت الأزمة إلى المجالين السياسي والاجتماعي وإلى الثقافة والفنون ومختلف مناحي الحياة الأخرى. لتصبح الأزمة) شاملة وكاملة، نقلت البلاد إلى مرحلة جديدة وخطيرة ودقيقة، باتت في حاجة إلى إصلاح شامل… وحقيقي لا إلى “الإصلاح” المدون على الخطابات السياسية والرسمية، كما أصبح في حاجة إلى آليات في مستوى الأزمة لمجابهة أوضاعها الحرجة المؤثرة في الأداء الطبيعي للمؤسسات والقطاعات والشرائح.
****
الآن وقد دخلت “الأزمة المغربية، السياسية/ الاقتصادية/ الاجتماعية” مرحلة صعبة، بعد التعديل الدستوري الأخير. وما تبعه من إصلاحات شكلية في القوانين المرتبطة بالانتخابات والجهة والمجلس الأعلى للحسابات و”المدونات القانونية” وبعد وصول حكومة عبد الإله بنكيران إلى السلطة، تبقى الأسئلة عائمة على الساحة المغربية، هل ستضع هذه الإصلاحات الدستورية قطيعة مع مرحلة الأزمة؟… مع الفساد الإداري؟ والتفاوت الطبقي والفقر والتخلف والأمية والجريمة؟ أي مع الحلقات السابقة من المعاناة والنكسات التي أضرت بحقوق المواطنين وبكرامتهم أم أنها ستكرسها على أرض الواقع…؟
يجب الاعتراف أن القوى السياسية الوطنية وقبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، بذلت حتى الآن جهودا مضنية، لتجنيب البلاد الدخول في “الطريق المسدود”، فاعتبرت “التوافق” و”التراضي” سبيلا حقيقيا لتدشين عهد جديد للإصلاحات، ومع ذلك تبقى الأسئلة حاضرة خاصة بعدما أصبح محكوما علينا من طرف “النظام الدولي الجديد” ومن طرف شركائنا في الشرق والغرب، أن نكون على مستوى هذا النظام في الديمقراطية، وفي مسايرة المتطلبات الدولية الجديدة/ تحقيق لقمة الخبز الكريم، والتعليم والصحة والسكن والترفيه والثقافة لكل مواطن: فهل كانت تلك الإصلاحات في مستوى هذه المهام ؟
أو بمعنى آخر، هل استطاعت تلك الإصلاحات تنظيف ساحة البلاد من أوجه الفساد المختلفة وتحديث المؤسسات والهياكل على أسس جديدة، لإعطاء المغرب وجوده الفعلي على “خريطة” النظام الدولي الجديد، أم أن تلك الإصلاحات، كانت مجرد خطابات على ورق…؟
وبمعنى أدق، هل ستتجه هذه الإصلاحات الدستورية في عهد الحكومة الحالية، إلى تصفية جسد الفساد في معاقله؟ هل ستنظف البلاد من آفة الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ. والزبونية؟ ومن آفة المخدرات والجريمة والفسق العلني؟ هل ستنظفها من الأمراض التي تفشت في مجتمعنا بفعل سلطة الفساد وخبرة المفسدين؟
هل ستستطيع القضاء على الظواهر السلبية التي أجلت دخول المغرب عصره التنموي الاقتصادي والحضاري؟ هل ستستطيع الحد من ظاهرة التخلف؟ هل ستستطيع فتح محاكمات علنية للمسؤولين عن الأزمة والفساد؟
أسئلة معلقة. لم تجد لها خطابات بنكيران وحكومته حتى الآن، أجوبة شافية.