من سيأكل من؟ ومن سينتصر على من؟
من سيأكل من؟ ومن سينتصر على من؟
محمد أديب السلاوي
ماذا يمكن أن يحدث ببلد متخلف، يعاني من البطالة، والتهميش والإقصاء والفقر والأمية، ومن الجفاف وشح المواد الغذائية، وغلاء الأسعار، وتدني الأجور… في ظل سياسات حكومية فاشلة؟ماذا يمكن أن يحدث ببلد يعاني من كل هذه السلبيات، ويعاني إلى جانب ذلك، من شراسة الهاجس الأمني/ من شراسة القرارات الفوقية/ ومن فساد السياسات الحكومية/ ومن السياسات الحزبية والنقابية..؟ماذا يمكن أن يحدث ببلد مثل بلدنا، يلتقي على أرضيته غضب الجياع، وغضب العاطلين، وغضب المهمشين، وغضب أطفال الشوارع، وغضب المأجورين، وغضب النقابات، وشراسة الهاجس الأمني، وفساد السياسات على صعيد واحد..؟ماذا يمكن أن يحدث إذا التقى كل ذلك بظروف دولية، اقتصادية، سياسية بالغة الصعوبة، يقترن فيها الجوع والتخلف وفساد السياسات في هذا القطر، بمنافع ضخمة تعود على أقطار أخرى، تسهم في تقدمها وازدهارها.لا أريد ولا أسعى إلى الإجابة عن هذه الأسئلة، فذلك شأن المختصين، ولكن إشكالية الأمن الغذائي، وارتفاع الأسعار، وتدني الأجور واتساع دائرة الفقر والبطالة والتهميش، أصبحت تفرض نفسها على البلاد والعباد، وتفرض علينا نحن أيضا أن نتصدى لها ولو من باب التذكير والاستئناس والتساؤل.ومعروف أن مشكلة الغذاء وحدها، وبعيدا عن السلبيات المؤثرة الأخرى، كانت وما تزال تحظى بأهمية قصوى لدى جميع دول العالم، وزاد الاهتمام بها في العقود الاخيرة، بعد تأزم الموقف الغذائي العالمي، وظهور الجوع والمجاعة والجفاف بأراضي جيراننا الأفارقة، وتزايد الطلب على الغذاء والمنتجات الزراعية، في اروبا وآسيا والولايات المتحدة.المشكلة لم تعد اقتصادية فقط وإنما أصبحت تشكل أبعادا أخرى سياسية وأمنية في غاية الخطورة على الدول الفقيرة مثل دولتنا التي أصبحت بفعل السياسات الفاشلة المتعاقبة تستورد الغذاء من الدول التي أصبحت تستعمل هذا الأخير سلاحا لا تصدره إلا بشروط مؤثرة، وهو ما يعني بوضوح أن اعتمادنا على استراد الغذاء يجعل أمننا القومي عرضة للخطر في أية لحظة.الغريب في الأمر، أن حكومات بلادنا المتعاقبة –سامحها الله- جميعها جعلت من الأمن الغذائي/ الاكتفاء الذاتي والتغذية، شعارا لسياساتها وبرامجها ومبادراتها، مع أن الهدف من التنمية في كل الأقطار والأمصار، يتمحور حول قضية الأمن الغذائي، لما لهذا القطاع من خطورة بالغة على ظاهرة الاستقرار السياسي داخليا وخارجيا، فهذا الأمن الذي يعني بوضوح، اكتسابا لقدرة انتاجية ذاتية قابلة للنمو والتطور تسمح للمواطن بمستوى معيشي لائق كريم، وتوفير الدولة لمواطنيها حاجاتهم من المواد الغذائية الضرورية لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، فكلاهما يحمي الوطن من الانهيار والاندثار والسقوط.وإذا كانت الحكومات السابقة قد رفعت هذا الشعار، وأمضت أيامها بسلام، وانسحبت لتترك مكانها لحكومات أخرى، تبدأ من جديد في رفعه واتخاذه خريطة طريق وهمية، فإن حكومة الدستور الجديد، لربما لسوء حظها، ستأتي في وقت، لا تستطيع لا الشعارات، ولا عصا الأمن الغليظة، ولا إحسان الدول الشقيقة والصديقة، ولا استرحام قلوب الدول الغنية، ولا إخفاء رؤوس وزرائها المسؤولين في الرمال، تمرير هذه المرحلة، لأن الأمر وصل حده.إن الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات السابقة، تجاه الأمن الغذائي، الأمن الصناعي، الأمن الاجتماعي، راكمت أخطاؤنا في استعمال الموارد الطبيعية والثروات الدفينة في الأرض، وراكمت جرائم نهب المال العام، والفساد الإداري ببلادنا، إلى أن وصل الأمر بنا، إلى الابتعاد عن الركب البشري، بعدة قرون، خاصة إذا ما أضفنا إلى هذه السلبيات، سلبيات أخرى تتصل بنشر التعليم والرعاية الصحية وتوفير السكن وتطوير البحث العلي، وجميعها مترابطة حول التنمية المفترى عليها.إننا في المغرب، البلد الزراعي/ الفلاحي، بلد المناجم، بلد البحرين، وبلد الشباب، وبلد الخدمات المتعددة الأهداف، ونتيجة للأخطاء المتراكمة على مدى سنوات طوال في إدارة هذه الطاقات الطبيعية والبشرية، نشهد اليوم جفافا شديدا، في كل المجالات والقطاعات، دون أن نجد له حلا. نشهد تراجعا كبيرا ومخجلا في إنتاج الحبوب واللحوم والخضروات والسكريات دون أن نجد له حلا. نشهد ارتفاعا فاحشا في الأسعار دون أن نجد لها حلا. نشهد تراجعا في القدرة الشرائية وفي التشغيل، وفي الصحة، وفي التعليم، وفي السكن دون أن نجد لها حلا… ونشهد أمامنا حكومات، تستقطب ألوان الطيف السياسي، تردد شعارات التنمية، التي لم تحدد لنا مفهومها حتى الآن، ولم تجد لها هي الأخرى أي حل.طبعا مثل هذه الحالة، دفعت حتى الآن، الشارع المغربي إلى الاحتقان.المعطلون الكبار والصغار، الحاصلون على الشهادات العليا، والذين لم يتمكنوا من التعليم، ينزلون إلى الشوارع كل يوم، يرتمون عند أقدام القوات المساعدة أمام البرلمان وأمام الحكومة وأمام القطاعات العمومية وأمام العمالات والولايات، ويسلمون أجسامهم الضعيفة ورؤوسهم الحائرة كل يوم إلى عصى الأمن والقوات المساعدة لتفعل بها ما تريد.الشباب اليائس من وطنه، ومن سياسات وطنه، ووعود رجالات وطنه، وأكاذيب زعماء وطنه، يركب كل يوم مراكب الموتـ في محاولة للهروب إلى الشاطئ الآخر، الذي يرفضه شكلا ومضمونا، ويغتاله في البر والبحر، ويعامله بعنصرية قاسية، ولكن يبقى مع ذلك هو أمله الوحيد للاستمرار والعيش.المأجورون في المصانع والمعامل والمتاجر، والموظفون الصغار في الإدارات العمومية وشبه العمومية، الذين لم تعد أجورهم الضحلة تكفيهم، لا للعيش ولا للموت، أعياهم الاحتجاج، وأصبحوا يتوجهون جماعات وفرادى إلى الشوارع من أجل الصياح، والارتماء إن اقتضى الحال عند أحضان الموت من أجل الخلاص.أطفال القرى، وأطفال أحزمة الفقر بالمدن، والأطفال المتخلى عنهم والأطفال المهمشون، أصبحوا هم أيضا، يشكلون ظاهرة ملفتة في الشوارع الكبرى، وفي الشوارع الخلفية، أنهم أطفال الفقر، يتعاطون الرذيلة والتسول والسرقة والجريمة، على مرأى ومسمع من الحكومة، ومن كافة قطاعاتها الاجتماعية، من أجل سد الرمق والاستمرار في العيش، خارج أي رقابة أو اهتمام.النقابات وجمعيات المجتمع المدني، تعلن بوضوح، أن الحوار مع الحكومات المتعاقبة، وصل إلى الباب المسدود، وأن لا حل في الأفق للأمن الغذائي ولا لتدني الأجور، ولا لإصلاح السياسات الاجتماعية، (الشغل/ الصحة/ السكن/ التعليم) وهو ما يعني، استمرار وضعية الفقر والغلاء والبطالة والتهميش على حالها، وإلى اشعار آخر. واستمرار التهديد بالإضراب العام، أو النزول العام إلى الشارع، واستعراض القوة الجماهيرية، إلى جانب قوة الأمن وقوة الحكومة، إلى إشعار آخر.السؤال المخيف: أمام حالة الاحتقان، حالة التهميش، والبطالة، وارتفاع الأسعار، واشتداد الأزمة الغذائية وغضب النقابات وغضب الشارع العام، ماذا يمكن أن يحدث، لو نزل الجميع إلى الساحة… من سيأكل من؟ ومن سينتصر على من..؟السؤال الأهم: ماذا نستطيع أن نفعل من أجل أن لا يحدث ذك.. في عهد الدستور الجديد؟