الصناعة المعجمية العربية، تكشف للعالم هويتنا العلمية
الصناعة المعجمية العربية، تكشف للعالم هويتنا العلمية
محمد أديب السلاوي
-1-
من الوجهة التاريخية، نجد اللغة العربية، قبل عدة قرون تقف في التصنيف المعجمي، إلى جانب اللغتين الصينية والهندية اللتين صنعتا المعجم الأول في التاريخ البشري، فالعشرات من المعجمات، إلى جانب العديد من كتب المفردات اللغوية في الحقلين العام والخاص، تشهد على تقدم العرب ولغتهم تاريخيا في هذا المجال، في حين أن أمثال هذه الأعمال لم يكن لها وجود في غرب أروبا.
ومن الوجهة التاريخية أيضا، نجد صناعة المعاجم قد ظهرت صارخة في العصور المتأخرة بالعديد من الجهات، متأثرة بالتجربة العربية، وهو ما يكشف لنا عن مسيرة طويلة وتجارب كثيرة في مختلف اللغات، التي حاولت/ تحاول تجميع مفرداتها في معاجم وقواميس، حسب الموضوعات بشكل دقيق، وهو ما يعني -علميا- التزامها بالنهج الذي اتخذه علماء اللغة العرب، في صناعة المعاجم، قبل أربعة عشرة قرنا.
ومن الوجهة التاريخية كذلك، نجد أن العرب في نهاية العصور الوسطى قد حققوا فتحا مبينا في تاريخ علم المعجمات وطرائق المعاجم وانتشارها، حتى أصبحت كلمة (قاموس) التي تعني البحر، مصطلحا يحمل الدلالة الفصيحة لسعة وضخامة المخزون اللغوي للغة الضاد، إذ لم يكد يحل القرن التاسع عشر، حتى نرى آلافا مؤلفة من النسخ المنتشرة في كل مكان، للقواميس العربية. وفي الحقيقة أن العرب منذ البداية حاولوا أن يضعوا مخططا معجميا كاملا تنتظم فيه كل مفردات اللغة، حتى أغرقوا في حشدها وأترائها، وقد قام كل ذلك على ذهنية رياضية منظمة، وبهذه الحقيقة قد امتازوا عن سائر الأمم، إذ أن اللغويين في سائر اللغات لم يخططوا للمعجم الكامل الشامل، كما ذهب العرب في منهجهم، بل كان هدفهم الأساس شرح الكلمات الصعبة والنادرة في نصوص تراثهم.
– 2 –
يعني ذلك بوضوح، أن التأليف المعجمي في الثقافة العربية حظي بنصيب وافر من العناية والاهتمام، منذ القرون الأولى للهجرة، فكان الخليل ابن أحمد الفراهدي (100-175) رائد هذا الصنف من المؤلفات، حيث وضع في زمن مبكر “معجم العين” الذي مازال حتى اليوم، مرجعا أساسيا في نهجه وموضوعه، لتأتي بعده مصنفات عديدة أخرى، نذكر من بينها على الخصوص الجمهرة لابن دريد والتهذيب للأزهري، والمحيط للصاحب بن عباد، والمجمل لابن فارس، والصحاح للجوهري والعباب للصفاني والمحيط للفيروز آبادي…وغيرها كثير، مما حول “المعجم” العربي، إلى صناعة علمية في الثقافة العربية، في وقت لم تكن هذه الصناعة معروفة أو متداولة، سوى عند أقدم الحضارات الإنسانية، ونعني بها الصينية والهندية.
ولاشك، أن مظاهر النهضة الحضارية التي عرفتها الدولة العربية الإسلامية، في انطلاقتها الأولى، قد جعلت الحاجة ماسة إلى توفير هذه الصناعة، ليس فقط من أجل تسهيل مهام الدارسين للعلوم والفنون، ولكن أيضا من أجل تشجيع طلاب المدارس والجامعات على استعمال المصطلح العربي الدقيق في المعاني الدقيقة، إذا كان لذلك الأثر البليغ في نشر المعارف وتعريب الإدارة والحياة العامة في غالبية البلاد التي اتخذت من الإسلام دينها الرسمي، كما كان أثرها بليغا على الحركة الثقافية في الشرق العربي وآسيا وافريقيا، في تلك المرحلة الهامة من التاريخ، وهو ما يكشف لنا عن مسيرة طويلة وتجارب كثيرة ومتعددة في الصناعة المعجمية، أثرت بجلاء ووضوح، في كافة المنجزات التي حققتها الثقافة العربية، منذ ميلادها الأول وحتى اليوم. ويمكن حصر مجالات الصناعة المعجمية العربية في سبعة أصناف، هي:
1) معاجم للناطقين بلغة المتن
2) معاجم للغة المكتوبة، ومعاجم للغة المحكية
3) معاجم للتعبير، ومعاجم للفهم
4) معاجم للاستعمال العام ومعاجم للترجمة الآلية
5) معاجم تاريخية، ومعاجم وصفية
6) معاجم لغوية، ومعاجم موسوعية
7) معاجم متخصصة
-3-
يطلق العرب كلمة المعجم على الكتاب المرجعي الذي يضم كلمات اللغة، ويثبت هجاؤها ونطقها ودلالها واستخدامها ومرادفاتها واشتقاقها أو أحد الجوانب من ذلك، على الأقل.
وترجع كلمة معجم إلى الكلمة العربية “أعجم” وتعني إزالة غموض الدلالة.
ويرجع تاريخ هذه الكلمة/ المعجم، إلى القرن الثاني الهجري على يد الخليل بن أحمد الفراهدي الذي جعلها عنوانا لكتاب العين، إلا أنها تحولت تاريخيا إلى صناعة ثقافية/فكرية وإلى أحد الفروع التطبيقية من البحث اللغوي، وإلى علم بعد ذلك يطلق عليه علماء هذا الزمن، علم المعجمات ويتناول أنواع المعجمات ومكوناتها وطرق إعدادها[i].
وعلى أن المعاجم العربية الأولى استجابت للبداوة الجاهلية، وما كان من نماذج الحضارة في جوانب أخرى من المجتمع الجاهلي القديم، فكانت مرآة تعكس المجتمع القديم ببدوه وحضره، إضافة إلى الثروة اللغوية والأدبية والفكرية والتراتية لدى العرب قبل الإسلام وبعده، إلا أنها تجاوزت ذلك بعد امتداد الدولة العربية خارج الجزيرة العربية لتعكس التطور الثقافي/ الحضاري للغة العربية، ومن خلالها تطور الإنسان العربي ومجتمعه الجديد. من الناحية التاريخية، يعود ظهور “البحث المعجمي” في الثقافة العربية، إلى القرن الثاني الهجري /الثامن ميلادي، حيث انكب العديد من الباحثين العرب على جمع اللغة العربية في معاجم عامة ومتخصصة، انطلاقا من ثلاثة مراجع أساسية وهي القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، والشعر الجاهلي.
وابتداءا من القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، اتخذ البحث المعجمي، شكلا جديدا ومتطورا، بعدما انفصل عن المسألة الدينية التي ساهمت في ولادته، فنظم هذا البحث نفسه تحت تأثيرات أخرى، وهي إعادة النظر في تناول العناصر التقليدية وضبطها وفقا لمواصفات اللسان العربي،ومن تم تمخض القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، عن ثورة معجمية، تحت ضغط الحاجة التطبيقية التي أوجدتها النهضة الحضارية/الثقافية، في العواصم العربية الإسلامية.
يعني ذلك، أن عناية العلماء العرب الأقدمين، لم تقتصر على تأليف المعاجم اللغوية الشاملة التي تعكس تطور لغة الضاد، ولكنهم اتجهوا في وقت مبكر إلى وضع المعاجم المتخصصة، التي جمعت ألفاظ العلوم، أو مصطلحات الفنون والصنائع ومرافق الحياة، بعضها أشار إلى الأمثال والمعربات والألفاظ المشتركة بين العربية وغيرها من اللغات، فكان من الطبيعي، أن تفسح المعاجم العربية الكلاسيكية المجال في المجتمع العربي، للمعاجم الحديثة، وهو ما كرس الصناعة المعجمية في الدراسات اللغوية العربية لقرون من الزمن.
بذلك ظل العرب، وحتى أواخر القرون الوسطى، السباقين في وضع المعاجم اللغوية، سواء منها اللغوية العامة، أم المتخصصة في العلوم والفنون والصناعات والتراجم وغيرها، في وقت لم يكن للغرب أي علاقة بهذا المضمار الذي تحول إلى صناعة ثقافية مزدهرة في تاريخنا الحضاري.
ويرى العديد من الباحثين في علوم اللغة والصناعة المعجمية، أن هذه الأخيرة، نمت نموا مستقلا في العالم العربي، عن علم اللغة، معتمدة على الاقتناع والتقليد، إذ كانت في معظمها لا تمت بصلة للأكاديمية، ولكنها استفادت باستمرار من الاجتهادات الخاصة لعلماء اللغة في صنع النظريات وتطبيقها، مما أعطى الصناعة المعجمية موقعا متميزا في الثقافة العربية.
-4-
وبمراجعة سريعة لتاريخ المعجم العربي في نشأته الأولى، سنجد –كما سبقت الإشارة- أن كتاب العين ل الخليل ابن أحمد الفراهيدي ( 100-175هـ) وهو من الرواد الأوائل الذين وضعوا الأسس المتينة للصناعة المعجمية العربية، سيظل المرجع والنموذج الأساسي لهذه الصناعة، ليس فقط بمنهجه العلمي ومداخله اللغوية، ولكن أيضا بما احتواه من كنوز لغوية، مازالت حية نابضة تفرض نفسها على كل بحث علمي/ لغوي حتى اليوم.
وعلى أن الاجتهادات العلمية العربية قد عرفت بعض الفتور بعد ظهور كتاب العين في القرن الثالث الهجري، إلا أنها عرفت نهضتها في القرنين الرابع والخامس، على يد علماء اللغة في الأندلس، الذين اجتهدوا في توسيع الصناعة المعجمية العربية وتطويرها، بالكثير من الحماس والابتكار الذي أضفى على هذه الصناعة حلتها الإبداعية.
خلال هذه الفترة من التاريخ، تم وضع العديد من المعاجم المتطورة، نذكر منها على الخصوص: معجم البارح لأبي القالي البغدادي (ت 365ه) ومعجم موعب اللغة لأبي غالب تميم الشباني ( ت 436ه) ومعجم المحكم لابن سيدة أبو الحكم علي ابن إسماعيل (ت 458 هـ) إضافة إلى معاجم المعاني، وجميعها ارتكز على ضبط مواد اللغة انطلاقا من مخارج الأصوات في موادها واشتقاقاتها وأبنيتها، وعلى إبراز طاقة اللغة العربية في تراتها وحكمتها وإجادتها في ضبط أبنيتها الكثيرة للمعاني الكثيرة، وذلك إضافة إلى معاجم المعاني والمؤلفات النقدية حول المعاجم ومناهجها العلمية التي اشتغل عليها الباحثون الأندلسيون خلال هذه الفترة، وهو ما كان –في وقته- جديدا وحداثيا في الثقافة العربية. إن الصناعة المعجمية العربية خلال الزمن الأندلسي، امتدت إلى العلوم والفنون، فظهرت معاجم للفقهاء وأخرى للمؤلفين والشعراء وبعضها للعلماء والحكام وغيرها من المعاجم الموسوعية والأكاديمية.
وفي القرنين الماضيين، نشطت هذه الصناعة بشكل ملفت للنظر، إذ جمع الباحث المغربي الصديق بلعربي، معجم المعاجم العربية خلال مائة عام (1869-1969)، يعكس بجلاء ووضوح نهضة هذه الصناعة في العصر الحديث، وقد شملت معاجم المطبوعات العربية والمستعربة، ومعاجم الأدباء ورجال الفقه والقانون والتراجم العربية والأجنبية، إضافة إلى المعاجم العسكرية، والفنية والفقهية والجغرافية وغيرها[ii]، إذ انصرفت همم اللغويين العرب، مع بزوغ فجر النهضة العربية الحديثة، أوائل القرن التاسع عشر، إلى إعادة تأليف المعاجم العربية على نسق جديد، يتفق مع مستجدات الحياة العصرية، وما تتطلبه من تيسير البحث، وتسهيل المراجعة على الباحثين وعموم الطلبة والقراء، وإعادة النظر في دلالة الكلمات الجديدة، ووضع التعابير اللائقة لأداء المعاني الحديثة في مختلف المجالات والميادين.
-5-
في العصر الحديث، كان من الطبيعي أن تفسح الصناعة المعجمية العربية الكلاسيكية، المجال للمعجم العربي الحديث، خاصة بعد الاحتكاك الذي حدث للثقافة العربية سياسيا واقتصاديا وثقافيا بالغرب وحضارته خلال القرون الثلاثة الماضية، والذي انعكس سلبا وإيجابا على اللغة العربية.
لقد جاءت الإشارات الأولى، لتطوير الصناعة المعجمية العربية في مطلع القرن الثامن عشر، من مصر ثم لبنان وسورية والعراق، على يد ثلة من العلماء والباحثين العرب الذين رافقوا وتتبعوا عن كثب الحملات الفرنسية والإيطالية والبريطانية على العالم العربي، خلال هذه الفترة من التاريخ.
ويؤكد الباحث أحمد شفيق الخطيب (عضو شرف في مجمع اللغة العربية بالأردن[iii])، أن أعمال المستشرقين كانت حيوية وبناءة في تطوير الصناعة المعجمية العربية، بما اتسمت به من منهجية علمية، في البحث والتدقيق والتحقيق، ومراجعة الأصول، وخاصة في استقراء آلاف الكلمات المستعملة بعد عصر واضعي المعاجم، واستخلاص معانيها، فكان هؤلاء المستشرقون، القدوة الحسنة للرواد من المعجميين العرب المجددين.
وانطلاقا من هذه الفترة، يرى العديد من المؤرخين، أن اهتمام المعاجم العربية المجددة، في المشرق العربي، تركز على المصطلح الفني/ العلمي/ التقني/ الحضاري، الذي يواكب الحضارة الحديثة، بكافة ميادينها ومجالاتها المتعددة والمتداخلة، فظهرت لأول مرة معاجم متخصصة للطلاب وأخرى للصيادلة والأطباء، ومعاجم مدرسية وأخرى هندسية وصناعية وفنية، وهو ما أضفى على الصناعة المعجمية العربية نقلة نوعية هامة، أعادت هذه الصناعة إلى الواجهة، في محاولة لإنقاذ لغة الضاد من آلة الهيمنة الاستعمارية، فظهر سنة 1869 معجم محيط المحيط لبطرس البستاني في أسلوب جديد متميز، لتتوالى بعد ذلك معاجم أخرى متأثرة بالمناهج الغربية، في اختصار الكلمات والتقليل من الشواهد، والإعتناء بالألفاظ والمعاني المباشرة، نذكر من بينها على الخصوص: أقرب الموارد لسعيد الشرتوني، ومعجم الطالب لجرس لعمام التويري ومعجم المنجد للأب لويس المعلوف، ومعجم البستان لعبد الله البستاني وغيرها كثير.
وفي بداية القرن الماضي، عندما وصلت الآلة الاستعمارية إلى إحكام سيطرتها على الخريطة العربية، وإبعاد لغة الضاد عن الإدارة والتعليم والبحث العلمي في أقطار عديدة من الوطن العربي، انتبه مجمع اللغة العربية بالقاهرة، إلى خطورة الموقف، ليقوم بمجهود كبير لإعادة بناء المعجم العربي، على قاعدة المواجهة والمقاومة، حيث وضع سلسلة من المعاجم الصغيرة للعلوم والفنون والآداب، بأسلوب حداثي/ جديد، بهدف عودة الروح إلى لغة الضاد، وجعلها تساير مستجدات الحضارة الغربية الحديثة.
ولقد كان عمل أعضاء هذا المجمع محفزا لمجمع دمشق، ومجمع بغداد، والمكتب الدائم للتعريب بالرباط، لتبني نفس المنهج، في تأليف معاجم متخصصة في كل ما يهم الحياة والحضارة والعلوم، في محاولة جادة لقطع الطريق على هيمنة اللغات الغربية من جهة، وتأكيد قدرة وجدارة لغة الضاد على الفعل والتفاعل مع الحضارة الحديثة من جهة ثانية.
-6-
وجدير بنا في هذه الإضاءة، أن نتوقف قليلا عند أهم العناوين الصادرة عن الصناعة المعجمية العربية خلال هذه الفترة الحالكة من التاريخ العربي.
أ/ في نظر الباحث المغربي ذ. الصديق بن العربي، أن معجم تاج العروس/ للشيخ محمد مرتضى الزبيدي (آخر القرن الثامن عشر/1790)، والذي طبع لأول مرة سنة 1888، كان آخر حلقة في سلسلة المعاجم العربية الكبرى التي عرفتها اللغة العربية، منذ أن ألف الخليل ابن أحمد الفراهيدي، معجم العين، في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي[iv].
ب/ ومن أولى المعاجم العربية المجددة قي هذه الفترة، معجم محيط المحيط الذي وضعه المعلم بطرس البستاني (لبنان) سنة 1870، معتمدا على قاموس الفيروز بادي، ومضيفا إليه ثروة من المفردات والتعابير المعاصرة والدارجة والمولدة التي أهملها جامعوا المعاجم العربية السابقة، كما ضمنه الكثير من الفوائد والشوارد واصطلاحات العلوم والفنون والصيغ الفلسفية، والكثير من الشواهد من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي وأمثال العرب[v].
ويمتاز هذا المعجم عن المعاجم التي سبقته، بترتيبه على حروف المعجم، باعتبار الحرف الأول، وبجمعه لكثير من اصطلاحات العلوم والفنون، والألفاظ المعربة، وبشرحه لأصول الألفاظ الأعجمية وتفسيرها.
ج/ ومن المعاجم الموسوعية التي صدرت ببيروت خلال هذه الفترة (سنة 1958)، معجم مثن اللغة للشيخ أحمد رضا، وقد وضعه بتكليف من المجمع العلمي العربي بدمشق في خمسة مجلدات، استقطب مادته اللغوية، من لسان العرب وتاج العروس، إضافة إلى ما صاغه المؤلف من مصطلحات علمية وفنية وحضارية، وما وضعه مجمعا القاهرة ودمشق في مختلف عهودهما، وما وضعه الشيخان أنستاس الكرملي وأحمد تيمور من الكلمات المنتخبة للمعاني المستحدثة.
وقد اعتبر العديد من النقاد وفقهاء اللغة هذا المعجم، من أفضل المعاجم العربية التي ألفت في العصر الحديث على الإطلاق[vi].
د/ ومن معاجم هذه الفترة أيضا المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة في مطلع ستينات القرن الماضي (يحتوي على 30 ألف مادة ومليون كلمة و600 صورة، وهو في نظر العديد من الخبراء المختصين، معجما استثنائيا بكل المقاييس، لما يتضمنه من مميزات منهجية، سواء في ترتيب عناصره اللغوية، أو في الكم الهائل لهذه العناصر.
في نظر العديد من علماء اللغة والباحثين أن المعجم الوسيط تخطى الحدود الزمانية والمكانية الضيقة، التي وقفت عندها المعاجم اللغوية العربية حديثها وقديمها، فأثبت ما تقتضيه الضرورة، مما وضعه المولدون والمحدثون، معربا ودخيلا، وأفسح المجال لألفاظ الحضارة في الحياة العامة، والمصطلحات في مختلف العلوم والفنون، مسترشدا بما أقره مجمع اللغة العربية في القاهرة، مسايرة للنهضة العلمية والفنية اشتقاقا وقياسا وتعريبا ونحتا وتراكيب، ليزيد في ثروة اللغة، ويفي بمطالب العصر الحديث.
هـ/ ومن معاجم هذه الفترة أيضا، المعجم العربي الأساسي، الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، (الإسيسكو) والذي شارك في وضعه جماعة من كبار اللغويين العرب في ثمانينيات القرن الماضي وهو عمل مخصص لغير الناطقين باللغة العربية ومتعلميها، أراده واضعوه مرجعا ميسرا، يروض العربية، ويدلل صعابها، يحدد معاني الألفاظ والعبارات والمصطلحات تحديدا دقيقا، إذ يضم حوالي خمسة وعشرين ألف مدخل مرتبة ترتيبا ألفبائيا، ينطلق من جذر الكلمة مفسرة بدقة وإيجاز، معززة بالشواهد والأمثلة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والأمثال والعبارات السياقية ولغة المعاصرة، وهو لا يستنكف في معاشرة حميمية لحركة اللغة، إذ يورد الكلمات المولدة والمعربة والدخيلة التي دخلت الحياة واستعملها المفكرون والمثقفون أو أقرتها مجامع اللغة العربية، وفي ذات الوقت يتجنب المهمل والمهجور من الألفاظ، فلا يورد إلا ماهو معروف ومتداول أو شائع، أو ما هو جدير بأن يعرف من مفردات اللغة العربية، الجارية على السنة العلماء والأدباء والمثقفين والإعلاميين وأقلامهم، والمبسوطة في المؤلفات والبحوث والدراسات الأكاديمية.
و/ ومن أبرز المعاجم اللغوية الصادرة خلال هذه الفترة أيضا، والتي تشكل عنوانا بارزا في الصناعة المعجمية العربية في الزمن الراهن.
1- المنجد: وهو من تأليف الأب لويس معلوف/ طبع لأول مرة سنة 1908 في بيروت.
2- المعجم: وهو من أكبر المعاجم العربية الحديثة من وضع الشيخ عبد الله العلايلي، ألفه على نسق جديد، صدرت أجزاؤه الأولى ببيروت سنة 1954.
3- المعجم الكبير: وهو من وضع مجمع اللغة العربية بالقاهرة، صدر قسمه الأول بمصر سنة 1956.
4- لسان العرب المحيط: وقد أعده يوسف خياط مرتب بطريقة جديدة مبتكرة، يضم 2500 صورة و48 خريطة، مع جدول بالمفردات حسب الترتيب القديم، ويضم كل ما أنتجته المجامع العلمية واللغوية من مصطلحات علمية وفلسفية وفنية حسب ورودها باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية واللاتينية/ يقع في ثلاثة مجلدات من الحجم الموسوعي/طبع لأول مرة سنة 1968.
ز/ أما ما يتعلق بالمعاجم العلمية المتخصصة، فمن الإنصاف أن ننوه هنا بالمجهودات التي بذلتها مجامع اللغة العربية، في القاهرة ودمشق وعمان، بالتعاون مع المكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي بالرباط، والتي أسفرت خلال العقود الخمسة الماضية عن وضع سلسلة واسعة من المعاجم المتخصصة، نذكر منها على الخصوص[vii].
-
1. معجم مصطلحات حفر الآبار النفطية
-
2. معجم المصطلحات الكهربائية والإلكترونية
-
3. معجم البتروكيماويات
-
4. معجم مصطلحات الميكانيكا
-
5. معجم الطاقة النووية، الكيمياء، الطب الإشعاعي
-
6. معجم الفقه والقانون
-
7. معجم المصطلحات الجغرافية
-
8. معجم العلوم الإجتماعية
-
9. معجم المصطلحات الفلسفية
10. معجم علم النفس التربوي
11. معجم علم التربية
12. معجم التربية والتعليم
13. معجم علوم التربية
14. معجم المصطلحات العلمية
15. معجم التجارة والاقتصاد والمعارف
16. معجم البيئة
17. معجم الأنواع النباتية بجزيرة العرب
18. معجم العلف والمراعي
19. معجم مصادر الزيوت والدهون
20. معجم المصطلحات السلكية واللاسلكية
21. معجم المصطلحات الإعلامية
22. معجم مصطلحات الدم
23. معجم الحشرات
24. معجم أمراض الأذن والأنف والحنجرة
25. معجم المصطلحات التقنية
26. معجم المعاني
27. معجم مصطلحات ضبط الجودة
28. معجم مصطلحات الخرسانة
29. معجم القياس النفسي
30. معجم الكهرباء
31. معجم النجارة
32. معجم الصناعة المعمارية
33. معجم الطباعة
34. معجم الأعمال الجمركية
35. المعجم العسكري.
-7-
السؤال الذي تفرضه هذه المراجعة السريعة: هل تكون هذه المجهودات الجبارة التي بذلت لتطوير الصناعة المعجمية العربية، كافية لإنقاذ اللغة العربية من التراجع…
إننا اليوم/ أمام نهضة كمية في المجال المعجمي، يشارك في إذكائها الفقهاء والخبراء والعلماء والكتاب الأدباء، والجامعات والأكاديميات ومجامع اللغة العربية في القاهرة ودمشق وبغداد وعمان، والمكتب الدائم للتعريب بالرباط، حيث تحتضن المكتبة العربية اليوم عشرات بل مئات المعاجم العامة والمتخصصة، بعضها وضع بمناهج علمية متطورة وبعضها الآخر استفاد من التجارب المتراكمة في صناعة المعجم العربي.
هل يكفي ذلك لإنقاذ اللغة العربية من التراجع، وإعادتها إلى ساحة العمل العلمي، في المدارس والجامعات والمعاهد والإدارات والمقاولات، كلغة تستجيب لمتطلبات الحضارة الحديثة، ومتطلبات العولمة وشروطها الموضوعية؟
وبالنظر إلى التطورات المتلاحقة التي عرفتها الصناعة المعجمية في العصر الحديث، يلاحظ العديد من الخبراء[viii]، أن المعاجم العربية، قديمها وحديثها ورغم تطورها الكمي والنوعي، مازالت في حاجة ماسة إلى وضع جديد، يلائم عصر العولمة. مازالت في حاجة إلى تصحيح وتنقيح وتوضيح حتى تكون وافية بالغرض ويستفاد منها، فهي في نظرهم، مازالت عاجزة عن الوصول إلى الهدف، قاصرة عن الوفاء بما يراد منها من صحة ودقة وجلاء، خاصة في العلوم والصناعات والفنون والآداب.
يرى الخبراء العرب أيضا، أن المعجم العربي، وبالرغم من أقدميته وإتساعه وشموليته، مازال يعاني من العديد من السلبيات منها:
أ/ إنه مازال يعتبر اللغة العربية، لغة أزلية ثابتة، لا تتغير أو لا يحق لها أن تتغير عما هي في اللوح المحفوظ، فليس فيها اشتقاق ولا تنشؤ كما تنشأ الأحياء وتتطور، فهي بذلك أصبحت لغة جامدة.
ب/ إن المعجم العربي صار على قاعدة مملة، ينقل بعضه عن بعض بتقيد شديد.
ج/ إن كلمات هذا المعجم مازالت تفسر في المعجم العربي تفسيرا لا يفهم، كما تفسر الكلمات تفسيرا دوريا، أو تفسر بكلمات أشد غموضا.
د/ إن قارئ المعجم العربي، لا يستطيع معرفة الألوان المركبة، ولا معرفة المشبع ولا القاني ولا الشديد، ولا يعرف ما هو الأغبر أو الأصهب أو الأصحر أو الأغبس أو الأدبس أو الأدهر أو الأقهب أو الأكهب.
ﻫ/ وعلى الأغلب يفضل المعجم العربي المجازي على الحقيقي، فإذا اردت الحقيقي وقعت في حيص بيص.
و/ لا تأتي غالبية المعاجم العربية بأمثلة لتوضيح المعنى وتغفل الكثير من صيغ الأفعال، وبعضها لا يفرق بين الصفة والاسم.
وفي نظر هؤلاء الخبراء، أن بقاء المعجم العربي على ما هو عليه من الخلط والتشويش، هو من أعظم الأسباب في تراجع مصطلحاتنا في العصر الحديث، إن عدم الدقة في معاني الكلمات، والخلط بين معنى وآخر، وسوء الفهم، أورتت تشويشا في الفكر، وعدم الدقة في التفكير، وهو ما يفرض على الصناعة المعجمية العربية اليوم، وضع معاجم جديدة تتفادى هذه العيوب والنقائص، تأتي بالمفردات مرتبة ترتيبا سهلا، شرحها يميز كل مفرده عن غيرها، لا لبس بها ولا إبهام، ولا يتطرق الشك إلى معناها ولا خلاف حول دلالتها، وهو ما يعني في نظر الخبراء والعلماء والمختصين، أن يكون المعجم العربي الجديد، مشروحا بلغة مأنوسة، وبكلام يمت إلى الواقع بصلة، وتكون صور المعاني فيه مألوفة، مع ذكر الأمثلة الكثيرة للشرح والتوضيح.
[i] – الدكتور محمود فهمي حجازي/ اتجاهات الحديثة في صناعة المعجمات/مجلة اللغة العربية (الجزء 40 نونبر 1977) القاهرة
[ii] – نشرت مجلة اللسان العربي هذا العمل في المجلد السابع /يناير 1970.
[iii] – أحمد شفيق الخطيب/ الموسم الثقافي الأول/1983.، ص 223.
[iv] – معجم المعاجم العربية/ مجلة اللسان العربي/ الجزء السابع/ يناير 1970.
[v] – أحمد شفيق الخطيب/ حول المعجم العربي الحديث / الموسم الثقافي الأول.
[vi] – أحمد شفيق الخطيب/ حول المعجم العربي الحديث/ الموسم الثافي الأول.
[vii] – نشرت أغلب هذه المعاجم بمجلة اللسان العربي/ الصادر ة عن المكتب الدائم للتعريب بالرباط.