حالة الأزمة …أم أزمة الحالة؟
حالة الأزمة …أم أزمة الحالة؟
-1-
ليس خفيا على أحد،أن مغرب اليوم، يعيش سلسلة من الأزمات. من أزمة التعليم إلى أزمة الصحة، و من أزمة الشغل إلى أزمة السكن، و من أزمة الديمقراطية الداخلية بالأحزاب السياسية، إلى أزمة المشاركة في الانتخابات. و من أزمة التقة في النخب السياسية، إلى أزمة التقة في المؤسسات. سلسلة نترابطة من الأزمات، تنعكس جميعها سلبا على الأفراد و الجماعات، على مغرب متقل بالصراعات و التحديات.
و لا شك أن هذه الأزمات جميعا، لا ترتبط فقط بالخلل الذي يمس القطاعات الحيوية : التعليم/ الصحة/ السكن/ الفلاحة/ الصناعة/ الشغل/ الخدمات، و لكنها ترتبط أساسا بالخلل الذي مس/ يمس التخطيط منذ عدة عقود ممن الزمن، و هو ما جعل/ يجعل لتخلف حقيقة لا جدال فيها.
في ظل هذه الحقيقة المقلقة، يأتي السؤال ملحا : ما هي صيغة المستقبل الذي ينتظر بلدا متخلفا، وجد نفسه كذلك في زمن التقدم العلمي و التكنولوجي و العولمة، و هو يعاني من أمراض و أزمات و إشكالات عن الماضي الاستعماري. و كرس بعضها في عهد الاستقلال…؟
ما يزيد من قلق هذا السؤال، أن مغرب اليوم، المطوق بهذه الأزمات و الإشكالات، ليس له أي دخل في الصورة التي وجد نفسه عليها. أنه استيقض من اغماءاته التي استمرت قرابة قرن من الزمن، ليجد نفسه في مطلع الألفية الثالثة، مكبلا بعشرات القيود و الالتزامات. و قيود الفقر و البطالة و الأمية و التخلف التكنولوجي. و ليجد نفسه أيضا، يعاني من تفشي الجريمة و الفساد الأخلاقي، و الفساد الإداري. و الفساد المالي، و من الانفجارات الديمغرافية الغير مخططة، و هو ما يفرض عليه إيجاد المزيد من الخبز والأدوية والمدارس و المستشفيات و مناصب الشغل. و المزيد من القروض و الخبراء الأجانب، لمواجهة حاجيات التخلف.
– 2 –
لنحاول استقراء الأرقام المتوفرة، خلال الخمسين سنة الماضية.
من سنة 1956 إلى سنة 2006، إرتفع عدد سكان المغرب، من اثني عشرة مليونا ( تقريبا ) إلى ثلاثين مليونا ( تقريبا)، و هو ما يعني ارتفاع عدد القادرين على العمل من مليونيين، إلى أزيد من اثني عشرة مليونا.
و لأن الزيادة الديمغرافية، بشهادة الأرقام الرسمية، ارتفعت بنسبة تفوق 3.5 في المائة خلال الخمسين سنة الماضية، فإن عدد الفقراء، و عدد العاطلين، و عدد الأميين، و عدد المعطلين عن الدراسة، و عدد المرضى و المهمشين والمجرمين، ارتفع بصفة مهولة، نتيجة لافتقار البلاد إلى البنيات الأساسية للنهوض و التنمية من جهة. و من جهة أخرى، نتيجة لتخلف وسائلها الانتخابية، و فوضوية تركيب طبقات مجتمعها .
بذلك، أصبحت أزمة الديمغرافية، التي هي أم الأزمات الأخرى، تتميز بالفتامة والتشاؤم في مطلع الألفية الثالثة، لا بسبب الديون و الضغوط المالية وحدها، ولكن أساسا، بسبب عجز سياسات عهد الاستقلال (1956-2000 ) تذويب المشاكل و الأزمات التي ورتته الدولة المغربية عن العهد الاستعماري (1956-1912 ) ذلك لأن تصاعد النمو الديمغرافي كتصاعد الديون الخارجية، تحد واجهة كل طموح، و كل إصلاح، و أصبح من الصعب التحكم فيه و الانتصار عليه، خارج شروطه و آلياته الموضوعية.
– 3 –
السؤال الذي يطرحه المشكل الديمغرافي على مغرب اليوم، و الذي يتردد على السنة العديد من الاخصائيين و الباحثين و الخبراء : كيف سيصبح الوضع في المغرب سنة 2010، حيث من المنتظر أن يصل عدد السكان إلى حوالي خمسة و ثلاثين مليونا…؟
في نظرنا تتعاظم أهمية هذا السؤال في القطاعين الاقتصادي و الاجتماعي، كلم نظرنا إليه من زاوية الاختلالات التي ما زالت تضرب “سوق الشغل ” و التي تؤثر سلبا على مختلف القطاعات الانتاجية، و بالتالي على مسار التنمية المستدعية… كما تتعاظم أهميته، من جانب آخرــ أمام المؤهلات المحدودة للاقتصاد المغربي في توسيع هذه السوق، و التقلص المستمر لإمكانيات الهجرة و العمل خارج الحدود.
يعني ذلك، أن مغرب اليوم، الذي يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية و دولة الحق و القانون/ دولة المؤسسات، يواجه تحديات ” تقيلة” متعددة و متداخلة و متشابكة. فالنمو الديمغرافي، و محدودية الاقتصاد و تقليص الهجرة، لا تعني فقط التراكم المستمر للأزمة الاجتماعية، و لكن أيضا تعني ” تحفيز ” الأزمات الأخرى، على الظهور و التأثير.
تقول المؤشرات، أن نسبة البطالة قد تصل خلال السنوات القليلة القادمة، إذا لم يعالج الأمر بصرامة، إلى 25 في المائة من إجمالي السكان النشطين، بمن فيهم الخريجين، و الذين لا حرفة و لا تكوين لهم.
و تقول هذه المؤشرات أيضا، أن فئات اجتمعية جديدة قد تنتقل خلال نهاية هذا العقد ــ إذا لم يعالج الأمر ــ إلى العيش تحت مستوى الفقر.
يعني ذلك بوضوح،أن الوضعية المغربية الراهنة المتقلة بسلسلة من الأزمات تتطلب إصلاحات جدرية في هياكل المؤسسات لخلق ملايين من مناصب الشغل، و إعادة التوازن لخدمات الدولة في التعليم و الصحة و السكن و غيرها من القطاعات الفاعلة في التوازن الاجتماعي. و هو ما يواجه بتحديات صارمة للعهد العالمي الجديد، القائم على العولمة و التنافسية و الديمقراطية.
ومن باب الاستئناس، يمكن أن نذكر أن وضعية المغرب الراهنة، لا تطلب فقط إصلاحات هيكلية في إدارتها لمواجهة تحديات العولمة و لكن ايضا تتطلب احداث خمسة ملايين منصب شغل. و مضاعفة عدد المعلمين والأساتذة و مكوني التكوين المهني و الأطر التربوية و الإدراية. و مضاعفة عدد الفصول الدراسية في المدارس الابتدائية و الثانوية. ومضاعفة عدد المعاهد العلمية و الجامعات لتأمين المقاعد المدرسية و الجامعية و لتكوينية/ من إصلاح و توسيع وإعادة هيكلية، للصحة و الصناعة، و الصناعة التقليدية و الزراعة و التجارة و كل المجالات و القطاعات الحيوية الأخرى… و هو ما يجعل الأزمة حادة، و تقيلة ،… و ربما خطيرة أيضا.
– 4 –
يقول الخبراء، عندما تصبح ” الديمغرافيا ” حالة مستمرة من التنافر بين نموها و بين التخطيط لها، يتدخل الاصلاح باستعجال لادراك الموقف.
” فالحالة المغربية” تواجهها تحديات متنوعة و متداخلة و مرتبطة بسلسلة من المعطيات، منها ما يتصل بالنمو الديمغرافي و منها ما يتصل بالتخطيط الاقتصادي/ الاجتماعي. و منها ما يتصل بالمناهج الدراسية و حالة الانتاج، و لأن المغرب على أبواب تحوله التاريخي، و بصدد استكمال الشروط الموضوعية لهذا التحول، فإن العراقيل المادية وحدها تبقى واقفة في وجه هذا التحول.. و هي العراقيل التي تذوب عادة أمام الإرادة الجمعية للتحول. و الانتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ.
العديد من المحللينو المستثمرين ” للحالة المغربية ” يعتبرون أن مسألة التحول و الانتقال و الخروج من الأزمات أو من بعضها على الأقل، هي مسؤولية جماعية، مسؤولية الدولة و الحكومة و الأحزاب السياسية و المنظمات النقابية و الحقوقية. و مسؤولية الأبناك و رجال الأعمال و الأساتذة و المعلمين و الخبراء…. ذلك لأن النخبة الواعية بظروف هذه ” الحالة ” و خلفياتها التاريخية و المادية و أثارها السلبية على الحاضر و المستقبل، هي الأكثر مسؤولية و الأكثر وعيا بها. و هي وحدها القادرة على تقريب الانتقال المطلوب إلى وضعه المطلوب.
و السؤال : كيف لهذه النخبة أن تقوم بدوره في تعميق وعي الشعب المغربي بمتطلبات الانتقال؟… و هي نفسها ما زالت لم تتخلص من الأزمات المحيطة بها من كل جانب .