هذه هي الأزمة. فما هو الحل…؟
هذه هي الأزمة. فما هو الحل…؟
– 1 –
ماذا يمكن أن يحدث ببلد متخلف يعاني من فساد الإدارة. و من البطالة، و الفقر و الأمية، و من الجفاف و شح المواد الغذائية، و غلاء الأسعار، و تدني الأجور… في ظل سياسات حكومية فاشلة…؟
ماذا يمكن أن يحدث ببلد يعاني من الفساد الحزبي/ الفساد الانتخابي/ الفساد المالي… من ضعف الإرادات، و إلى جانبها، يعاني من شراسة الهاجس الأمني، و من شراسة القرارات النقابية، و من تحديات المعطلين، و من تردي الحريات العامة و حقوق الإنسان و مشاعر المواطنة…؟
ماذا يمكن أن يحدث ببلد ، يلتقي على أرضيته غضب الجياع، و غضب العاطلين، و غضب المأجورين، و غضب النقابات، و غضب الأطفال العاملين، و غضب أطفال الشوارع، و غضب التلاميذ المطرودين من المدارس، و فساد السياسات على صعيد واحد…؟
ماذا يمكن أن يحدث إذا التقى كل ذلك بظروف دولية، اقتصادية، سياسية بالغة الصعوبة، يقترن فيها الجوع و التخلف و فساد السياسات في هذا القطر، بمنافع ضخمة تعود على أقطار أخرى.
– 2 –
لا أريد و لا أسعى في الإجابة عن هذه الأسئلة، فذلك شأن المختصين. و لكن إشكالية الأمن الغذائي، و ارتفاع الأسعار، و تدني الأجور و توسع دائرة الفقر و البطالة و التهميش، اصبحت تفرض نفسها على كل بلاد الدنيا. و خاصة على المتخلفة منها. و أصبحت تفرض على الصحفيين و الكتاب و المفكرين و السياسيين و النقابين، الذين يملكون القرار، و الذين لا يملكونه التصدى لها، و لو من باب التذكير و الاستئناس و التساؤل.
و معروف أن مشكلة الغذاء وحدها، و بعيدا عن السلبيات المؤثرة الأخرى، كانت و ما تزال تحظى بأهمية قصوى لدى جميع دول العالم، وزاد الاهتمام بها في العقود الأخيرة، بعد تأزم الموقف الغذائي العالمي، و تزايد الطلب على الغذاء و المنتجات الزراعية.
فلم تعد هذه المشكلة، اقتصادية فقط، و إنما أصبحت تشكل أبعادا أخرى، سياسية و أمنية في غاية الخطورة، على الدول الفقيرة التي أصبحت بفعل السياسات الفاشلة المتعاقبة تستورد الغذاء من الدول التي أصبحت تستعمل هذا الأخير سلاحا لا تصدره إلا بشروط مؤثرة، و هو ما يعني بوضوح أن الاعتماد على استيراد الغذاء يجعل الأمن القومي عرضة للخطر في أية لحظة … و في أي بلد.
الغريب في الأمر، أن حكومات العديد من البلاد المتخلفة/ الفقيرة، جعلت في العقود الأخيرة، من الأمن الغذائي/ الاكتفاء الذاتي في التغذية، شعارا لسياساتها و برامجها و مبادراتها. لأن الهدف من التنمية كان و ما يزال في كل الأقطار و الامصار، يتمحور حول قضية الأمن الغذائي، لما لهذا القطاع من خطورة بالغة على ظاهرة الاستقرار السياسي داخليا و خارجيا، فهذا الأمن الذي يعني بوضوح، اكتساب القدرة الإنتاجية الذاتية القابلة للنمو و التطور تسمح للمواطن بمستوى معيشي لائق كريم، و تؤمن حاجاته من المواد الغذائية الضرورية، لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، فكلاهما يحمي الوطن من الانهيار و من الاندثار ومن السقوط .
إن الأمن الغذائي، أصبح يكتسي أهمية قصوى في الظرفية المحلية/ الدولية الراهنة، و من أجل تحقيقه وفق شروطه الموضوعية، كان لابد لبلد كالمغرب، ينتمي إلى منظومة العالم الثالث، من بناء استراتيجية زراعية متطورة و مدروسة تقوم على فهم عميق لأبعاد الأمن الغذائي و اشكالاته السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. فهذا الأمن يعني في المفاهيم ( السياسية/ الاجتماعية/ الاقتصادية ) تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، تأسيسا على قدرة المجتمع على تحقيق ذلك، بموارده و إمكاناته الذاتية، أي بقدرته على إنتاج كل احتياجاته الغذائية محليا.
و يشترط الأمن الغذائي في زمن العولمة، و تحرير التبادل التجاري بجعله خيارا استراتيجيا لا يمكن التنازل عنه مهما كلف ذلك من ثمن و من تضحيات ، لما له من علاقة بالأمن الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي.
و إذا كانت حكومات العلام الثالث، قد رفعت هذا الشعار، في الماضي و أمضت أيامها بسلام، و انسحبت لتترك مكانها لحكومات أخرى، تبدأ من جديد في رفعه و اتخاذه خريطة طريق. فإن حكومات الألفية الثالثة، التي صادفت وضعية دولية مخالفة، لربما لسوء حظها، جاءت في وقت، لا تستطيع لا الشعارات، و لا عصا الأمن الغليضة، و لا إحسان الدول الشقيقة و الصديقة، و لا استرحام قلوب الدول الغنية، و لا إخفاء رؤوس وزرائها المسؤولين في الرمال ، ينفع في تمرير هذه المرحلة، لأن وضع العالم اليوم ، يختلف عن وضعه بالأمس.
فبسبب الأخطاء التي ارتكبتها سياسات العالم الثالث في الماضي، خاصة قبل ظهور القطبية الأحادية ، تجاه الأمن الغذائي. و تجاه الأمن الصناعي، و تجاه الأمن الاجتماعي. تراكمت على ساحة هذه الدول أخطاء أخرى في استعمال الموارد الطبيعية و الثروات الدفينة في الأرض، و تراكمت عليها جرائم نهب المال العام. و الفساد الإداري إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه، من بطالة و مرض و أمية و تهميش، و غلاء و فقر، و تخلف عن ركب البشرية، يقاس بعدة قرون، إذا ما اضفنا إلى هذه السلبيات، سلبيات أخرى تتصل بنشر التعليم و الرعاية الصحية و توفير السكن، و تطوير البحث العلمي، و جميعها مترابطة حول هذه التنمية المفترى عليها.
– 3 –
إننا في المغرب، البلد الزراعي/ الفلاحي، بلد المناجم ، بلد البحرين، وبلد الشباب، و بلد الخدمات السياحية ، و نتيجة للأخطاء المتراكمة على مدى سنوات طوال في إدارة هذه الطاقات الطبيعية و البشرية، نشهد اليوم مثلنا، مثل بلدان العالم الثالث، جفافا شديدا، دون أن نجد له حل. و نشهد تراجعا كبيرا و مخجلا في إنتاج الحبوب و اللحوم و الخضروات و السكريات دون أن نجد له حل. و نشهد ارتفاعا فاحشا في الأسعار دون أن نجد لها حل. و نشهد تراجعا في القدرة الشرائية، و في التشغيل، و في الصحة، و في التعليم، و في السكن، دون أن نجد لها الحل… و نشهد أمامنا حكومة ” منسجمة ” تردد مثل حكومات العالم الثالث، شعارات التنمية، التي لم تحدد لنا مفهومها حتى الآن، و لم تجد لها هي الأخرى أي حل .
طبعا، مثل هذه الحالة، دفعت حتى الآن، الشارع المغربي إلى الاحتقان .
-
المعطلون الكبار و الصغار، الحاصلون على الشهادات العليا، و الذين لم يتمكنوا من التعليم، ينزلون إلى الشوارع كل يوم، يرتمون عند أقدام القوات المساعدة أمام البرلمان و أمام الحكومة و أمام القطاعات العمومية و أمام العمالات و الولايات، في المدن الصغيرة و الكبيرة و في القرى النائية، و يسلمون أجسادهم و رؤوسهم كل يوم إلى عصى الأمن و عصى القوات المساعدة، لتفعل بها ما تريد.
-
الشباب اليائس من وطنه، ومن سياسات وطنه، ووعود رجالات السياسة في وطنه، يركب كل يوم مراكب الموت، في محاولة للهروب إلى الشاطئ الآخر، الذي يرفضه شكلا و مضمونا، و يغتاله في البر و البحر، و يعامله بعنصرية قاسية، و لكنه يبقى مع ذلك هو أمله الوحيد للاستمرار و العيش.
-
المأجورون في المصانع و المعامل و المتاجر، و الموظفون الصغار في الإدارات العمومية و شبه العمومية، و في المجالس المنتخبة و الغرف المهنية الذين لم تعد أجورهم الضحلة تكفيهم ، لا للعيش و لا للموت. أعياهم الاحتجاج، و أصبحوا يتوجهون جماعات و فرادى إلى الشوارع من أجل الصياح، و الارتماء إن اقتضى الحال عند أحضان الموت من أجل الخلاص.
-
أطفال القرى، و أطفال أحزمة الفقر بالمدن، و الأطفال المتخلى عنهم و الأطفال المهمشون، أصبحوا هم أيضا، يشكلون ظاهرة ملفتة، في الشوارع الكبرى، و في الشوارع الخلفية، يتعاطون الرذيلة و التسول و السرقة و الجريمة، على مرأى و مسمع من الأحزاب و المنظمات … و من الحكومة، و من كافة قطاعاتها الاجتماعية، من أجل سد الرمق و الاستمرار في الحياة، خارج أية رقابة أو اهتمام .
-
النقابات و جمعيات المجتمع المدني، تعلن بوضوح، أن الحوار مع الحكومة وصل إلى الباب المسدود. و أن لا حل في الأفق للأمن الغذائي و لا لارتفاع الأجور و لا لإصلاح السياسات الاجتماعية. و هو ما يعني، استمرار وضعية الفقر و الغلاء و البطالة و التهميش، و استمرار حالة الاحتقان… على حالها. و إلى اشعار آخر.
– 4 –
-
السؤال المخيف : أمام حالة الاحتقان، حالة الجوع، و البطالة، و ارتفاع الأسعار، و ندرة المواد الغذائية، و اشتداد الأزمة الغذائية، و غضب النقابات و غضب الشارع العام، ماذا يمكن أن يحدث، للعالم الثالث، لو نزلت شعوبه جميعها إلى الشارع العام.ماذا لو نزل الجميع إلى الساحة… من سيأكل من ؟ و من سينتصر على من…؟
السؤال الأهم الذي على المجتمع الدولي اليوم… كما على الحكومات المحلية في العالم الثالث الإجابة عنه، بسرعة و موضوعية : ماذا على ” العالم المتحضر ” أن يفعل من أجل أن لا يحدث ذلك…؟