لماذا يمارسون عنصريتهم ضدنا
لماذا يمارسون عنصريتهم ضدنا
العنصرية، هي كل مشاعر العداء ضد الآخر. و هي بذلك تصبح نظاما متكاملا، لممارسة قائمة من الفرضيات، تزعم أن الآخر مغاير و مختلف و أقل شأنا. و تزعم أن العامل المقرر في خصائص و قدرات البشر هو الانتماء العرقي، و أن العناصر العرقية تتفاوت نوعيا، لا من حيث الشكل فقط، و لكن أيضا من حيث القدرة الفكرية و الأخلاقية و الاجتماعية.
و العنصرية، عبر التاريخ البشري، صنفت الناس، إلى سادة و عبيد، و جعلت من مشاعر العداء ضد الآخر شريعة و سلوكا، انطلاقا من الزعم، إن هناك عناصر بشرية متفوقة، و أخرى وضيعة .
و المفاهيم العنصرية، في ثقافات بعض الشعوب، تستند على مكون أساسي و هو ” التمييز العنصري ” ، الذي يستند بدوره لمفهوم ” التفوق العنصري”، و كليهما يصنف الناس على أساس ” الهوية العنصرية ” التي تقسم خلق الله إلى فئتين من الأجناس، الأولى متفوقة ” عليا ” و الأخرى متدينة حقيرة ” سفلى ” .
و لقد أقامت المجتمعات القديمة أنساقا ثابتة للعنصر الأصلي الذي تنتسب إليه و تتفرغ عنه، و اعتبرت كل دخيل عليه إنسانا/ عنصرا غريبا و عدوا محتملا، يجب رفضه و مقاومته و تهميشه.
و كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، و أوربا اليوم ضد المهاجرين القادمين من إفريقيا أو أسيا، و خاصة منهم السود و الصفر، فعلت في الماضي الإمبراطورية الصينية، حيث، اعتبرت كل الذين هم خارج حدودها أعداء متوحشين. و كذلك فعلت اليونان القديمة،التي عاملت كل شخص خارج أثينا معاملة الغرباء، لا يملك حق المواطنة. و أنشأت الإمبراطورية الرومانية قانونا يعرف باسم ” قانون الشعوب ” ينظم العلاقة بين الرومان و غيرهم .
يقول التاريخ، القديم : إن جذور ” العنصرية ” تعود إلى العلاقات التي كانت قائمة في المجتمعات التعسفية و الاستغلالية القديمة، إلا أن القرن السادس عشر، عرف نقلة نوعية في المجال العنصري، حيث منحت بعض المجتمعات الأوربية لنفسها، شرعية غزو الشعوب التي تزعم أنها تنتمي إلى فئة الأجناس المتدينة، و مع تطور الظاهرة الاستعمارية، بدأت تظهر على واجهة الثقافة الغربية، تبريرات عنصرية مغلفة بطابع ” علمي ” أحيانا، و بطابع ” حضاري ” أحيانا أخرى، لغزو الأجناس ” المختلفة/ الدونية ” حسب منظورها، و هي نفسها التبريرات التي ارتكزت عليها ” النازية ” و ” الفاشية ” و ” الصهيونية ” و “الابارتيدية ” . والتي اتخذتها غطاء فكريا لفرض سيطرتها على شعوب اعتبرتها ” أدنى منها “. البيض اتخذوا المتاجرة بالرقيق و بيع الزنوج بالولايات المتحدة الأمريكية و بجهات أخرى، بمبررات ” الفوارق البيولوجية “. و النازيون الألمان، توسعوا على حساب الشعوب الأوربية و غير الأوربية الأخرى، بمبررات ” فوارق الدم و العرق “، و “الأباتهيد ” و الصهيونية ركزتا نظامهما العنصري في جنوب إفريقيا، و فلسطين على نفس المبررات الواهية .
و يقول التاريخ الحديث : أن تحرير العبيد في أمريكا وجهات أخرى من العالم، و اختفاء ” الدول ” العنصرية من خرائط العمل السياسي، و إغلاق أسواق العبيد. و إلغاء النظام العنصري في جنوب إفريقيا. و اعتراف الكثير من الأنظمة بميثاق حقوق الإنسان، لا يعني إطلاقا من الوجهة العملية، اختفاء العنصرية أو تراجعها. بل بالعكس، عرفت رقعتها ــ في كل من أوربا و أمريكا و فلسطين المحتلة ــ المزيد من الاتساع خلال العقود الأخيرة، على يد جماعات ومنظمات أحزاب متطرفة، تدعو إلى تصفية كل ما هو أجنبي أو مغاير، و استعمال العنف ضد كل ما هو غير غربي، بنفس المفاهيم التي كانت سائدة في الماضي .
في الدول الأكثر تقدما في الزمن الراهن، و الأكثر ادعاء بارتباطها بالديمقراطية و حقوق الإنسان، يتحول حلم الإنسان بعالم تسوده قيم العدالة و السلام، و قيم الإنسانية، إلى كابوس اسود،لا تفسير له، و لا منطق له، بسبب المشاهد العنصرية المتنامية على الساحة الإنسانية، في مناطق عديدة من أوربا و أمريكا و الشرق العربي .
كل دقيقة من الزمن الإنساني الراهن، تسقط ضحية بالسلاح العنصري. تنطلق رصاصة من مسدس أو بندقية تجاه ” صدر غريب “/ تنطلق طعنة سكين/ قلب ” مهاجر “/ أو يتم اختطاف طفل أو امرأة أو يحرق بين عربي .
و في كل مناسبة أوربية و أمريكية أو اسرائيلية، ترفع شعارات عنصرية، في وجه المهاجرين و الأجانب و العرب، لا تختلف من بلد لآخر، لتؤكد أن ” العنصرية ” سلوك أخلاقي/ سياسي/ اجتماعي، يتموضع في العديد من جهات العالم.
إن ” الوعي ” العنصري الجديد، في هذه الجهات، يدفع إلى الاعتقاد، بمبدأ العنصر الجيد و العنصر الرديء، و إلى ترسيخ فكرة الصفات الوراثية البيولوجية و القدرات الذكائية و المزايا الحضارية، التي لا يملكها الآخرون… و هو ما يشكل خطوة واسعة إلى الوراء .
ما يحدث اليوم بأوربا و أمريكا و فلسطين المحتلة، من جرائم عنصرية، بإيقاع يكاد يكون يوميا، يفسر ظاهرة ” الجيل العنصري الجديد ” الذي تفجرت جرائمه مؤخرا بالعديد من العواصم، و هي ظاهرة رجعية، بكل المواصفات و المقاييس و الحجج .
نتوقف في هذه الإضاءة، عند المثال الأوربي، في تعامله العنصري مع المهاجرين الأجانب باعتباره هو الأقرب إلى موقعنا الجغرافي، و من أجل الاختصار و التركيز، سنكتفي بالتعرض إلى العنصرية المتسلطة على المهاجرين المغاربة في كل من فرنسا و إسبانيا للدلالة، و هم شريحة من أكثر الشرائح الأجنبية في البلدين، تعرضا إلى البربرية العنصرية، و إلى العنف و القتل و الإهانة رغما على القوانين و المعاهدات الدولية التي تحمي المهاجرين و تؤمن حياتهم بالمهاجر و هي كثيرة وواسعة و متنوعة … ولكنها، تكاد تكون ” حبرا على ورق ” في عمومياتها.
1 – بالنسبة لفرنسا، و هي بلد تربطه بالمغرب و إفريقيا، علاقات تاريخية عميقة. و تربطه بها مصالح اقتصادية و تجارية و سياسية، تكاد تكون لا محدودة … ففي إطار هذه ” العلاقة ” استقبلت فرنسا منذ أواسط الأربعينات (بعد الحرب العالمية الثانية) إعدادا من العمال الأفارقة و الأسيويين، للقيام بالأشغال الشاقة، التي لا يقبل عليها المواطن الفرنسي، بعد أن سهلت لهم الدخول و الإقامة و العمل، حيث أصبحوا بعد ذلك عنصرا هاما و أساسيا في الاقتصاد الوطني الفرنسي… كما في المجتمع الوطني الفرنسي.
و بعد ما استنفدت فرنسا أغراضها من ” هؤلاء المهاجرين ” و لم تعد في حاجة إلى خدماتهم، أطلقت للجماعات العنصرية و لليمين المتطرف أيديهم القدرة فيهم… و في قضاياهم، و سمحت للأحزاب السياسية اليمينية، بأن تجعل منهم إديولوجية حارة في برامجها الإنتخابية
و على المستوى الرسمي، لم تقف السلطات الفرنسية عند حد تشديد القوانين المتعلقة بالهجرة و المهاجرين، بل قامت بتصعيد حملات اللجوء إلى القمع و الأساليب الزجرية، لطرد المهاجرين و اعتقالهم و التنكيل بهم، و هي إجراءات تتنافى صراحة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تعود أصوله و منابعه إلى تراث الثورة الفرنسية ( سنة 1789 ) مع شديد الأسف .
في حقيقة الأمر، أن ” الثورة الفرنسية، لم تضع أي حد للعنصرية الفرنسية… فهذه الأخيرة، عرفت نوعا من البروز ” على الواجهة السياسية، في أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت تعاني ضائقة اقتصادية و مالية، حيث توجهت ” الحركة العنصرية ” ضد اليهود،و كانت العجلة الاقتصادية الفرنسية، تعتمد على أغنيائهم. و لكنها خمدت بعد ذلك، بدخول فرنسا سلسلة حروب كونية، و باحتلالها من طرف ” هتلر ” أب العنصرية المعاصرة في الحرب الكونية الثانية…
و لربما، لم يتوقع العالم، أن تعود العنصرية بقوة إلى هذا البلد، الذي أنقدته جيوش الشعوب الأفريقية من حرائق و مآسي الحروب في النصف الأول من القرن الماضي، و أنقدته جيوش عمالها من الأفلاس الصناعي و الاقتصادي في نصفه الثاني… خاصة و أنه البلد الذي يصدر ” الحرية ” إلى العالم من خلال ثقافته الحديثة.
و الغريب في أمر العنصرية الفرنسية، أنها في نهاية القرن التاسع عشر، تسلطت على اليهود. و اعتبرتهم مصاصي دماء فرنسا،و طردتهم و نكلت بهم إلى حد الوحشية… و في نهاية القرن العشرين، اتخذت من الإسلام عدوا لذوذا، و تجند ضده و ضد المؤمنين به، جيوشا من النازيين و حليقي الرؤوس المتوحشين. على اعتبار أن المسلمين / الأجانب و المهاجرين ” فيروسا ” يفسد طهارة الدماء الفرنسية “.
ففي بداية السبعينات من القرن الماضي،( مرحلة ظهور الأزمة الاقتصادية الفرنسية)،أخذ المجتمع الفرنسي يلفظ ما في داخل أمعائه، ليخرج منها عنصريته الراكدة، المضادة للآخرين/ المهاجرين القادمين من إفريقيا و آسيا، الذين انتهت مهمتهم، و يجب التخلص منهم بأي ثمن و بأي أسلوب !! على حد تعبير الشعارات اليمينية الفرنسية .
و تحت ضغط الجماعات العنصرية،اتجهت السلطات الفرنسية، إلى طرد جميع العمال الذين تدعي أنهم لا يتوفرون على عقود شغل ( قرار فونتاني و مارسولان ) سنة 1972، مما أدى إلى اضرابات عن الطعام، و إلى اضطرابات و مظاهرات عمالية للمطالبة بالحد من العنصرية و التعامل اللاأخلاقي ضد الأجانب .
و في سنة 1974، حيث انخفض الإنتاج الاقتصادي، و ظهرت الملامح الأولى للأزمة المجتمعية بفرنسا، اتجهت الحكومة مرة أخرى، إلى سد الأبواب في وجه العمال الأجانب، و في مقدمتهم العمال المهاجرين المغاربة، و إصدار مرسوم مراقبة الحدود و توقيف الهجرة السرية.
و يمكن للباحث المهتم، أن يرصد الحركة العنصرية الفرنسية من خلال محورين واسعين، الأول سياسي، و الثاني تشريعي .
أ/ على المستوى السياسي: ظهر في فرنسا ( في مطلع السبعينات ) شعار عنصري غريب، يصعب تصديقه، فقط لأنه ينطلق من أرض تدعي ” أيمانها” بــ ” الحرية ” و ” الإخاء ” و ” المساواة “، يقول الشعار : فرنسا للفرنسيين، و الفرنسيون أولا … و هو ما جعل كل أجنبي على الأرض الفرنسية مشبوها، و أن خلاص فرنسا من الأجانب، أصبح حقيقة أكيدة .
و في مطلع الثمانينات ظهرت الملامح الأولى لبرامج حزب ” الجبهة الوطنية ” التي يتزعم فكرة إعادة المهاجرين عامة و المغاربيين خاصة، من حيث أتوا، و ظهرت ملامح زعيمه ” جان ماري لوبان ” ( وهو أحد الضباط الذين حاربوا من الجزائر، ثم في السويس/ 1956، ولديه ملف حافل بتعذيب مدنيين جزائريين خلال حرب التحرير الجزائرية) . كأحد قادة الجيل العنصري الجديد بفرنسا .
ففي إطار هذه الحركة، خاض اليمين الفرنسي المتطرف معارك سياسية و اجتماعية، من أجل طرد العمال الأجانب، باعتبارهم ” يسرقون وظائف الشغل من الفرنسيين، و يدخلون الخلل في النظام التقليدي العام، و يفسدون المزايا الفرنسية”، و كذلك من أجل تصفية الجنس الفرنسي الطيب المزهر، من الوصمات الأجنبية الساقطة و الوسخة. و القضاء على أولئك الغزاة الذين يفسدون على فرنسا حياتها السعيدة، و سلامتها الثقافية و الحضارية !..”
ب/ و على المستوى التشريعي، عرفت قوانين الهجرة بفرنسا تعديلات متلاحقة خلال العقود الأربعة الماضية، تتجه جميعها نحو تصفية هذا الملف و الخلاص من تركاته ..، نذكر منها :
ــ قانون باسكوا، لسنة 1973، و هو يحمل اسم وزير الداخلية بالحكومة الفرنسية خلال تلك الفترة، ( شارل باسكوا ) الذي دخل الحكومة، ببرنامج لتصفية ملف المهاجرين المستقرين و غير المستقرين بالبلاد، بإجبارهم على الرحيل، و هو قانون يصب في اتجاه أفكار و إديولوجية حزب ” الجبهة الوطنية ” الذي ظهر بارزا في انتخابات هذه السنة.
ـــ قانون دوبري لسنة 1997، و هو يحمل اسم وزير فرنسا خلال هذه الفترة، و هو أكثر شدة، و أكثر عنصرية من سابقه.
و أن الأحداث العنصرية التي عرفتها باريس، و مرسيليا، و العديد من المناطق الفرنسية خلال العقدين الماضيين، و التي ذهب ضحيتها العشرات من المهاجرين المغاربة، تعطي الدليل، على أن عودة العنصرية، كانت عودة هادفة. تتخذ من الآخر هدفا مباشرا، ترصده بكل الأسلحة الفتاكة .
يقول تقرير صحفي نشرته سنة 1999، جريدة ” الغارديان ” و العديد من الصحف الغربية، أن الشرطة الفرنسية وحدها تسببت في مصرع أكثر من ثلاثمائة شخص أغلبهم من المهاجرين، بمعاملاتها السيئة و اللامشروعة.
و يقول استطلاع للرأي، أجراه معهد ” لويس هاريس ” سنة 1999 بطلب من اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، أن الأشخاص المنحدرين من أصول مغاربية، هم الأكثر تعرضا للهجمات العنصرية بمعدل 75% من الاعتداءات التي وقعت بفرنسا في السنة ذاتها .
2 – و بالنسبة لإسبانيا، ما كادت تسترد وعيها المسلوب، و تتخلص من ديكتاتورية الجنرال فرانكو، حتى عادت إلى ممارسة العنصرية، بشكل لا يتناسب و انتقالها إلى الديمقراطية و دولة الحق و القانون، و لكن بصفة خاصة، ضد المهاجرين المغاربة.
و من المعروف أن إسبانيا، تمثل نموذجا حيا، لبشاعة العنصرية الغربية، فهي واحدة من الدول الأوربية، الأكثر ارتباطا بالمشاعر العنصرية تجاه الآخرين، و من أكثرها احتفاظا عليها، حتى في الوقت الذي انتقلت فيه إلى الديمقراطية، و شروطها و تحدياتها … فقد أوجدت جيلا جديدا من العنصريين المسلحين بالعنف و الشدة و الجنون، مباشرة بعد اختفاء نظام الجنرال فرانكو. و هو الجيل الذي أنجز أكثر من مأساة، ضد المهاجرين المغاربة في جهات مختلفة من إسبانيا ( كاطالونيا/ كوبيدو/ الميريا/ مورسيا/ ايل ايخيدو)، ذهب ضحيتها مئات المهاجرين الذين أفنوا حياتهم في بناء إسبانيا الجديدة، من أجل العيش و الكرامة، و هي مآسي تتجاوز القوانين و الأعراف و القيم الإنسانية، و تؤكد على أن المشاعر العنصرية، مازالت أقوى ما تكون، في النفس الإسبانية. و أن شعارات الديمقراطية و حقوق الإنسان، لم تخفف من وطأتها.
إن ما حدث في أيل ايخيدو (جنوب إسبانيا )سنة 2000 ضد المهاجرين المغاربة من جرائم مطبوعة بالحقد الأعمى، يطرح في العمق مسألة الإرهاب العنصري و التطرف، الذي بدأ يطبع المجتمع الإسباني، في ” عهده الجديد ” . و تطرح إشكالية مواجهتها .
ففي هذه المدينة التي تشغل نسبة كبيرة من المهاجرين المغاربة، ذهب عشرات المغاربة ضحية للعنف العنصري ( فبراير 2000) على يد حشود مدججة بكل الأسلحة اللاقانونية : قضبان حديدية/ عصى/ سلاسل/ خناجر/ سيوف، و تعرضت بيوتهم و محلاتهم التجارية إلى الإتلاف، كما تعرضت سياراتهم و أكواخهم و مقرات جمعياتهم إلى التخريب العنصري، بشكل و حشي و غير حضاري، لا لسبب سوى لأنهم مهاجرون مغاربة، و مسلمون.
و الملاحظ أن العنصرية ضد المهاجرين المغاربة في إسبانيا، لم تأت فقط من عصابات ” حليقي الرؤوس “، و ” الجماعات النازية “، و لكنها أتت أيضا من القوانين المنظمة للهجرة (قانون 1985/ قانون 1995) التي تضع المهاجرين في دائرة مفرغة، و تجعلهم بالإضافة إلى معاناتهم اليومية و المستمرة هدفا للعنصرية داخل المجتمع، و تعرضهم للإهانة و الاختطاف و الاغتيال بأشكال مختلفة، يعانون من عنصرية القوانين و من عنصرية الشغل، و عنصرية المدارس و الجامعات، و عنصرية الشوارع و المقاهي و المحطات و الأماكن العمومية، و هي أقسى أنواع الإرهاب النفسي الموجه ضد الآخر، تحت مسمى ” دولة القانون ” .
نشرت جريدة ” المونودو ” الإسبانية ( 17 يوليوز 1997 ) أن عشرة في المائة (10%) من الشباب الإسباني عنصري النزعة و التوجه.
و نشر معهد الدراسات السوسيولوجية بمدريد (سنة 2000 ) استطلاعا للرأي، يقول إن الجالية المغربية المهاجرة إلى إسبانيا مرفوضة أكثر من أية جالية مهاجرة أخرى.
و جاء في التقرير السنوي ” لمنظمة مناهضة العنصرية ” أن حالات العنصرية في إسبانيا، ارتفعت بشكل خطير من المواطنين الإسبان، و من الدوائرالرسمية، و أن العنصرية أصبحت أمرا طبيعيا في هذا البلد. و أن أغلبية الحالات تتعلق بمهاجرين مغاربة.
و ندد تقرير آخر يحمل عنوان ” التقرير السنوي للعنصرية في الدولة الإسبانية لسنة 2000″ بالاستعمال الخبيث للحكومة الإسبانية لقانون الأجانب، لتأليب الرأي العام ضد المهاجرين، و محاولة إيهامه بأن إسبانيا تتعرض لغزو قادم من الجنوب ( المغرب ) .
و أبرز التقرير المذكور، من جانب آخر، الاستغلال البشع الذي يتعرض له المهاجرون في إسبانيا، و خاصة أولئك الذين لا يتوفرون على أوراق إقامة قانونية، مما يجعلهم مهضومي الحقوق، و لا يمكنهم أن يقدمو شكايات عن أوضاعهم، حيث قارن التقرير أوضاعهم بالعبودية الجديدة.
و أظهرت دراسة لجامعة ” كومليتنسي ” بمدريد، تصاعد رفض الإسبان للمهاجرين المغاربيين، و لا سيما المغاربة الذين أضحوا الأقلية الأكثر عزلة في المجتمع الإسباني، و هو الوضع الذي كان يعاني منه حتى وقت قريب ” الغجر “.
و من جهتها اعتبرت الجمعية الإسبانية غير الحكومية ” أس أو إس راسيزم”، أن الميز الاجتماعي بهذا البلد أضحى أكثر تطورا و نصاعة، مؤكدة، أن نسبة هامة من الشباب، تسعى للقيام بحملات ” للتطهير العرقي ” للقضاء على الغجر و العرب و اليهود و السود و الأمريكيين اللاتينيين.
و أظهرت دراسات أكاديمية أخرى، ( أنجزها مؤخرا مركز الأبحاث السوسيولوجية لمدريد ) أن نسبة الأشخاص الذين يتبنون ممارسات عنصرية، يمثلون نسبة عالية في المجتمع الإسباني اليوم.
** ** **
طبعا ليست فرنسا و إسبانيا وحدهما اللتان تفجر بهما ” الجيل العنصري الجديد ” فمثل هذا ” الجيل ” الشرش و العنيف في عنصريته، يتواجد اليوم في أركان أوربا الغربية، بنسب متفاوتة، ففي جهات أوربية مختلفة، تتجه ” أظافر ” هذا الجيل إلى المهاجرين لنهشهم و رميهم خارج الحدود … و تتجه أفكار هذا الجيل إلى السلطة، من أجل تنظيف أوربا من الذين ” لا يستحقون العيش ” .
و يمكن للملاحظ المتتبع لتطورات الأوضاع في أوربا و خاصة فرنسا/ إسبانيا/ هولاندا/ ألمانيا/ إيطاليا/ بلجيكا، خلال العقود الأخيرة/، أن الظاهرة العنصرية، لا تخص بلدا معينا، فهي تمتد من شمال أوربا إلى جنوبها. و لها أكثر من تأثير خارج حدودها، حيث أخذ التيار القومي الشعوبي، الذي تجسده أحزاب اليمين المتطرف، يعمل من أجل زعزعة الاتحاد الحالي، الذي يتخذ الديمقراطية و الحرية و السلم و التعايش، شعارا له، و بناء أوربا جديدة،قائمة على عداء الآخر و رفضه .
إن الأحداث العنصرية العنيفة التي ظهرت على الساحة الأوربية، في السنوات الأخيرة، و خاصة ضد الأجانب و المهاجرين، تعطي الإنطباع، أن التيار القومي الشعوبي العنصري، أصبح يشكل بالفعل تهديدا حقيقيا، لا ” للغرباء ” فقط، ولكن لكافة التيارات السياسية الأخرى، التي ناضلت من أجل مبادئ و أفكار وقيم، دفعت بالقارة الأوربية، بعد سلسلة من الحروب البشعة، إلى الازدهار و التوحد و الديمقراطية .
و لا شك أن ما حدث في فرنسا في الانتخابات الرآسية السابقة، يعطي الدليل القاطع على هذا التوجه، حيث استطاعت ” الجبهة الوطنية ” أكثر ” الجبهات ” عنصرية ضد المهاجرين و الأجانب، و أكثرها كراهية لهم، الوصول إلى الدور الثاني من هذه الانتخابات، و هو ما اعتبره الإعلام الفرنسي، و الإعلام الأوربي عموما، زلزالا أصاب فرنسا في كبدها، لما تمثله ” الجبهة الوطنية” من عنف و حقد و عنصرية … و جنون .
الأمل الأوربي، بعد الحرب العالمية الثانية، و ما خلفته من أوجاع و مآسي و خسارات، كان هو الانتقال بأوربا من هم النزاعات العنصرية و العرقية، إلى أوربا موحدة، يتمتع فيها الجميع بنفس الحقوق و الواجبات، ويعمل في فضائها الجميع، من أجل التعايش و السلم و الديمقراطية، و لكن يبدو أم مشاعر العنصرية التي أوجدت ” جيلها الجديد ” مازالت حية في العروق… و مازالت تبحث عن امتدادات جديدة لتجعل من هذه المشاعر شريعة قائمة على الدم… و على رفض الآخر حتى الموت .
إذن، هو التاريخ يعيد نفسه .
هناك عودة أوربية إلى ماض لا نعتقد أنه يشرفها. من موقعنا، حيث نرثي لحالها، و هي تشاهد بلا إرادة عودتها إلى ” عصر الظلمات “، نوجه اهتمام الحكومات المغاربية و الإفريقية، التي تعمل جهدها و أكثر منه،لإرضاء ” الأصدقاء ” الأوربيين، على حساب أشياء كثيرة، أن العنصرية المتنامية ضد المهاجرين المغاربيين و الأفارقة عموما في مناطق عديدة من بلاد هؤلاء الأصدقاء، تجعل البون شاسعا بين مفهومنا للصداقة… و مفهومهم إليها.
لا أريد أن نسأل : ماذا فعلت هذه الحكومات و هي تشاهد يوميا أحداثا عنصرية عديدة ضد المهاجرين بأوربا، من أجل حمايتهم؟… لا نريد ذلك، لأن السؤال لا يفيد مادامت السياسات الأوربية و المغاربية/ الإفريقية مطبوعة بالتناقض الكامل في مقاربتها لموضوع الهجرة و المهاجرين. و مع ذلك نلفت النظر إلى أن الأمر أصبح يتطلب حماية حقيقية لمهاجرينا بالغرب.
و إلى إن للعنصرية اليوم بأوربا جيلها الجديد، إن لم تقاومه نسفك، و إن لم تواجهه سحقك…
و تلك هي الحقيقة الجارحة… !؟