الدكتور محمد السلهامي: محمد أديب السلاوي في “المغرب، الأسئلة والرهانات” يبحث سبل الاستقرار السياسي
في البداية، يعطي الكاتب والباحث محمد أديب السلاوي في مقدمة كتابه السياسي الهام: “المغرب الأسئلة والرهانات” إشارات قوية عن رهانات المغرب المعاصر، رهانات المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي الدعائم الأساسية التي يقوم عليها البناء الديمقراطي لكل دولة مدنية في عالمنا اليوم
في هذه القراءة، نتناول بالخصوص رهانات لها علاقة وثيقة بالاستقرار السياسي، لبلد مازال يعاني من إرتجاجات التخلف، رهانات اعتمدها الكاتب الباحث محمد أديب السلاوي في محاور هذا الكتاب الذي نعتبره مدخلا أساسيا للرهانات والاستحقاقات التي ينتظرها مغرب الألفية الثالثة، من أجل الإقلاع والإنتقال الديمقراطي، في صورته السياسية والتاريخية المنشودة.
طبعا، لا نعني بالاستقرار السياسي ضرورة انتفاء كل نوع من أنواع الصراع بين القوى والفئات المتعارضة، أو بين التصورات المختلفة للمجتمع ونظامه وتطوره ومصيره. فالصراع السياسي لعب في تاريخ المغرب الحديث دورا إيجابيا، إذ كان عاملا من عوامل دينامية قوى المجتمع وفئاته على جميع الأصعدة، بما فيها صعيد الفكر وانتاج التصورات حول المجتمع نفسه، وهو المعنى الذي نأخذ به الاستقرار السياسي لأي بلد، أي المعنى الذي يحتوي الصراعات المجتمعية في مستوياتها المختلفة ويعمل على عقلنتها وإضفاء الصفة المؤسساتية والقانونية عليها، وهذا ما يجعل الباحث ينظر إلى البعد الديمقراطي للمجتمع بوصفه الإطار الأشمل لذلك الاستقرار الذي يبحث عنه.
تتضح أهمية الاستقرار السياسي في محاور هذا الكتاب، عندما نلاحظ غيابه اليوم من خلال، الصراعات السياسية والإديولوجية ولأسباب مختلفة فيها المشترك والمتمايز في الوقت ذاته، فالاستقرار السياسي لا يتنافى مع الصراعات التي يكون لها أثر إيجابي على دينامية المجتمع حين تخضع للعقلنة التي يؤكد عليها البعد الديمقراطي، ولكنه يتنافى مع الصراعات المدمرة التي يكون من عواقبها كبح كل تطور إيجابي للمجتمع وتأخير خطوات نموه التي تنعدم شروطها في ظل تلك الصراعات المدمرة.
يعني ذلك، في نظر الباحث محمد أديب السلاوي، أن على مغرب اليوم أن يعمل على توفير الشروط التي تعقلن الصراعات بداخله وتجعلها الدور الإيجابي المأمول منها، ومن هذا المنطلق تؤكد محاور “المغرب الأسئلة والرهانات” على أن التأطير الديمقراطي للصراعات المجتمعية هو الشرط الضامن لديناميتها الإيجابية، وهو كذلك الضامن لسير المجتمع في طريق النمو والتقدم المطلوبين، لذلك ترى هذه المحاور، أن كل خطوة يخطوها المجتمع المغربي في سبيل ضمان استقراره السياسي، عليها أن تعتمد على حق المواطنة/ على الديمقراطية/ على العدالة/ وعلى حقوق الإنسان.
هناك إذن أوجه ترابط متعددة بين الاستقرار السياسي والبناء الديمقراطي لنظام الحياة في المجتمع المغربي الراهن، وبعض هذه الترابط أعم من بعضها الآخر، ويرى مؤلف هذا الكتاب، من الملائم أن ندعو مجموع المظاهر الفاعلة في الاستقرار السياسي والبناء الديمقراطي بتعاقد مجتمعي. ويرى أن الاستقرار السياسي يكون في كل مجتمع، ومنه المجتمع المغربي، حين يقع تعاقد مجتمعي بين كل القوى والأطراف الفاعلة في صيرورته على تدبير العلاقات بينها، بما فيها أشكال الصراع المختلفة، بالكيفية التي تضمن عدم إعاقتها لغايات المجتمع في النمو والتقدم.
أول أشكال التعاقد الضامن للاستقرار السياسي في نظر المؤلف، ذلك الذي يكون بين المجتمع والسلطة القائمة فيه، مظهر هذا التعاقد بالنسبة للسلطة أن تكون منبثقة من المجتمع لا متعالية عليه، وأن تكون وظيفتها تدبير شؤونه في مستوياتها المختلفة بالكيفية التي تضمن المصلحة العامة للمجتمع وتضمن تمتيع الجميع بحقوقه وحرياته وأدائه لواجباته والتزاماته في الوقت ذاته. وفوق هذا كله، فإنه يرى بوضوح، أن السلطة تكون تعبيرا عن الاستقرار السياسي عندما تعي هي ذاتها بانبثاقها من المجتمع وباكتساب شرعيتها منه، وعندما تصور ممارساتها وفق مقتضيات هذا الوضع.
إن السلطة لا تضع نفسها في هذه الحالة في تعارض مع المجتمع الذي تكون منبثقة عنه، إنها تعمل من أجل ضمان استمرار شرعيتها بالنسبة إليه، تعمل على رعاية مصالحه العامة وتدبير شؤونه بما يضمن للمجتمع النمو والتقدم المنشودين، وتكون السلطة التي هي طبيعتها وطبيعة علاقتها بالمجتمع مصدرا للاستقرار السياسي ومظهرا من مظاهره في الوقت ذاته.
في نظر الباحث محمد أديب السلاوي، إن رهان الاستقرار السياسي بالنسبة للمغرب المعاصر، هو أحد التوجهات الأساسية التي يمكن أن تضمن بها البلاد استقرارها السياسي، كل تجديد للتفكير في السلطة وتصور علاقتها بالمجتمع ينبغي أن يراعي هذا الشرط.
إن العلاقة بين السلطة بكل مستوياتها والمجتمع بكل مكوناته في منظور محاور هذا الكاتب، هي المظهر الوحيد للاستقرار السياسي، فهي أعم هذه المظاهر، لكن الاستقرار السياسي يسير، في نظره نحو التحقق كلما كان الوقت ذاته مطلبا والتزاما لكل مكونات المجتمع والأطراف الفاعلة في حياته في كل مستوياتها.
في المحور الفكري/ الفلسفي/ السياسي، يرى الباحث، أن مجتمعنا مثل مجتمعات أخرى في العالم المعاصر، نتاج لتشكل تاريخي ولتفاعل عدة مكونات تشكلت بذاتها عبر التاريخ الطويل.إن ما ندعوه اليوم بالمجتمع المغربي هو نتاج لهذا التفاعل ولسير مكونات المغرب نحو التوحد في كيان مجتمعي واحد والتعايش به رغم اختلافها، واعتبار وحدتها ضمنه ما يشكل هويتها التاريخية، وأن هذا التوحد قد تم إلى الحد الذي أصبح فيه كل مكون من مكونات المجتمع يحمل في ذاته الطابع العام للمجتمع، كما يجد في ذاته تعبيرا عن كل فترات التاريخ التي تشكل المجتمع المغربي الحالي من خلال وقائعها ونظمها ومؤسساتها.
لاشك أن الصراع السياسي/ الإديولوجي/ المجتمعي، قد يكون أحد مظاهر العلاقة بين المكونات المختلفة لمجتمعنا، ومما لاريب فيه كذلك أن هذا الصراع عبر عن ذاته بأشكال مختلفة من الممارسات، ولكن ما يقصده الباحث محمد أديب السلاوي في المحور الفكري لكتابه، بالاستقرار السياسي هو اتخاذ تلك الأشكال من الصراع، السبيل المعقلن الذي يقوم عليه البناء الديمقراطي للمجتمع.
إن هوية المغرب تكمن في مكوناته، بل تكمن في تشكله التاريخي، وأن كيان كل مكون من المكونات مرتبط بتشكلاته الأخرى، كما أنه إذا كان مستقبل المغرب، مازال يتطلب التعايش الديمقراطي الذي يسمح بتحقيق هذا المطلب، فإن الباحث هنا، يؤكد بصراحة ووضوح أن البعد الديمقراطي هو الإطار الشامل الذي يعقلن المكونات المختلفة للاستقرار السياسي للبلاد.
أن رهانات المغرب وأسئلته مترابطة، ولكن رهانات الاستقرار السياسي ستظل مرتبطة بالرهان الديمقراطي الذي يشكل المحور الأساس لهذا المصنف الذي جاء لدعم البحث السياسي في المكتبة المغربية.
مركز الدراسات السياسية للبحر الأبيض المتوسط/ باريس