أي تغيير نحلم به..!؟
أي تغيير نحلم به..!؟
محمد أديب السلاوي
يمر نصف قرن أو يزيد على زمن الاستقلال، وتبقى كلمة ” التغيير ” حاضرة في الحياة المغربية، رغم ما اعتراها من مواجهات وصراعات وتحديات
عندما حصل المغرب على استقلاله سنة 1955، أعلن دخوله مرحلة التغيير، أي خروجه من الجهاد الأصغر إلى الجهاد لأكبر
وعندما وضع دستور 1962 على الاستفتاء، أعلن الراحل الحسن الثاني، أن التغيير الذي جاء به هذا الدستور، سيضع البلاد والعباد على عتبة تاريخية جديدة
وعندما عينت حكومة التناوب التوافقي قبل سنة 1998 أعلنت “التغيير” شعارا لها، باعتبار أنها جاءت من أجل إصلاح ما أفسدته السياسات السابقة، ومن أجل إحداث القطيعة مع أساليب التدبير العشوائي للشأن العام الوطني
ولأن ” التغيير ” في نهاية القرن الماضي شعت مفاهيمه في القواميس السياسية، واتسعت دائرة شموليته، حتى أصبحت تشمل السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة والقانون وكل مناحي الحياة، سيطر هذا المصطلح على خطاب هذه الحكومة، من داخل بيتها ومن خارجه ليصبح جزء منها ومن برنامجها… وهو ما كان يتطلب تنقية أرض الديمقراطية من كل المفاهيم المنحرفة التي علقت بها منذ انطلاقتها مع أول دستور للبلاد سنة 1962 حتى تتمكن الدولة من أن تكون ديمقراطية، وتغيير عقلية المسؤولين عن تطبيق القانون، وتطبيق مفاهيم الديمقراطية، وأعني بهم الزعماء السياسيين والوزراء والمدراء والولاة والعمال وكل رجال السلطة… وهو ما جعل “التغيير” عملية شبه مستحيلة
لربما، كانت المرة الأولى التي انتبه فيها دعاة التغيير، إلى أن هذا رهان استراتيجي، لا يتحقق ب “الكلام ” وأن تحقيقه يعني قبل كل شيء إعداد البلاد وتأهيلها من أجل الإندماج في النظام العالمي الجديد وما يطرحه من تحديات… وهو ما كان يتطلب إرادة فعلية وانخراطا حقيقيا في دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون…. وبالتالي في عهد العولمة
حينما بدأت تظهر علامات الأعياء والقنوط على حكومة التناوب التوافقي وتبين لها أن “التغيير” الذي حملته خطاباتها وبرامجها “الإصلاحية” ليس شعارا مجانيا يمكن استهلاكه بسهوله ويسر، إدراك قادتها، أن المجتمع المغربي، وبالرغم من كل المساحيق التي وضعتها هذه الحكومة والتي قبلها لتلميع وتزيين واجهته، يظل في العمق مجتمعا يعاني من أمراض موجعة ومزمنة، منها الواضح ومنها الخفي، يعاني من البطالة والأمية والجهل والتهميش والتخلف والفقر والظلم والقمع. يعاني من الفساد المتعدد الصفات والوظائف، وهو ما يجعل من “التغيير” الذي يجمع المغاربة على ضرورته، عملية صعبة، وفي حاجة إلى فهم واستيعاب وإدراك…بل في حاجة إلى إرادة حديدية
أن التغيير في المفاهيم العلمية، لا يمكن أن يكون فوقيا، يمس التنظيمات والقوانين فحسب، بل هو مجموعة عمليات تهدف قبل كل شيء إلى تغيير الأفراد والجماعات والتنظيمات والمناهج، والعقول والإرادات. ان الأمر يعني، الانتقال من مرحلة استنفدت إمكاناتها وبدأ يطبعها الجمود، إلى مرحلة أخرى أكثر حيوية وأكثر تطورا، وأكثر استيعابا لطبيعة زمانها. وهو ما جعل هذه الحكومة عاجزة، عن الاقتراب منه،أو التداخل معه… بل هو ما جعلها في نهاية المطاف تتخلى عن شعارها المركزي والأساسي، والانغماس في أوراش “الإصلاح” التي ورثتها بامتياز عن الحكومات السابقة… بل وهو ما جعلها في نهاية المطاف، ترحل بلا أسف، ودون أن تعطي للتغيير أو الإصلاح مفهومهما على أرض الواقع
إن زمن السرعة المذهلة، زمن القرية الكونية المتواصلة التي أصبح الإنسان يعيش عليها بجسم واحد، وعقل واحد، وإدراك واحد، يفرض على المغرب، وعلى كل دول العالم الثالث، التي يرهبها “التغيير” وتحدياته، ألف سؤال وسؤال
أي تغيير نريد في حالتنا المتردية، التي يتكرس عليها الفساد والتخلف من كل جانب؟
ما الذي ينبغي لنا تغييره؟
هل يتعلق الأمر بطريقة إداء المغاربة للأعمال التي يقومون بها؟
إلى أي الأدوات نحتاج لكي نصل إلى التغيير المنشود؟
هل نحتاج إلى العقل، أم إلى الأدوات التقنية، أم إلى الإرادة؟
كيف نصل إلى الالتحام بعصرنا؟
كيف نصل إلى استئصال الفساد، والتخلف الذي يضربنا في العمق.
كيف نصل إلى تأصيل الديمقراطية وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان في حياتنا وهويتنا؟
كيف نصل إلى تأمين التضامن والتكافل الاجتماعي…؟
آلاف الأسئلة… و”التغيير” من خلالها يبدو – بالنسبة لوضعنا- ما يزال بعيدا، ليس لأنه يعني في حالتنا الصعبة، التفتح على الأفكار والتكنولوجيا ومناهج العمل السياسي/ الثقافي/ الاقتصادي، الحديثة والمرتبطة بعصر العولمة التي تفصلنا عنه بحور الفساد والزبونية والتخلف والانتهازية التي تضرب في أعماق إدارتنا واختياراتنا، ولكن أيضا لأن التغيير لا يمكن أن تتصدق به الدولة أو قادتها الكبار على أحد، إنه ضرورة دائمة بحكم منطق الحياة العادية، كلما توقف ، توقفت معه دواليب الاستمرارية والتواصل والتقدم.
التغيير مهما كانت أسئلته ملحة أو طارئة، لا يمكن أن يكون مطلبا طارئا يطرح على الدولة التي لم تحسم بعد روح الفساد الذي يسكن معظم دواليها. فهو مطلب دائم تتطلبه الحياة في سيرورتها اللامتوقفة، حتى في الدول والمجتمعات التي تسكنها روح الفضيلة العامة، والتي لا تتردد في معاقبة الذين يمسون بها أو الذين تسول لهم أنفسهم بذلك.
التغيير ليس مجرد ضرورة، بل أكثر من ذلك وأبعد منه، شرط من شروط التعايش والاستمرارية… لأجل ذلك كانت وما تزال شروطه كأسئلته، حادة وقاسية ومحيرة على مستوى الدولة، وصعبة ومستحيلة على مستوى مؤسساتها المختلفة، وتلك مشكلة ربما ستحتاج منا إلى زمن آخر لهضمها وفهمها وقراءتها وتحليلها.