أيها السياسيون… أفلا تدركون؟
أيها السياسيون… أفلا تدركون؟
تقدم نخبة كرة القدم المغربية، درسا بليغا ووازنا لنخبة الساحة السياسية، خاصة فيما يتعلق ب”انتخاب” الفريق الوطني، وتأهليه لخوض غمار المنافسة والحضور والنجاح داخل حدود التراب الوطني وخارجه، فأهل الرياضة جعلوا فريقهم القيادي لكرة القدم، يحظى بالعناية الفائقة من الدولة ومن أهل الكرة، قبل تطويق رقبته بمسؤوليات الانتقال المطلوب، والارتقاء المطلوب لهذه اللعبة، فالدولة وأهل الرياضة، لا يناقشان فاتورة الانتقال والارتقاء، بقدر ما يعملان بالوسائل المتاحة، من أجل أن يكون “الفريق الوطني” في مستوى المرحلة، حاضرا في العالم، فاعلا في ملاعبه، رافعا راية المغرب في سماواته.
وفي نظر العديد من المحللين، أن الفريق القائد “في المجال الرياضي هو تجسيم” للفريق القائد في المجال السياسي، فكلاهما ينتخبان من القواعد الواسعة، وكلاهما يتحملان مسؤوليات النجاح والارتقاء والعمل من أجل أن يكون اللعب، في مستوى المرحلة، وأن يكون كلاهما، حاضرا، فاعلا، رافعا الراية الوطنية في سماء العالم.
الفرق بين فريق كرة القدم والفريق السياسي، يتجلى في نظرتنا السلبية أو الإيجابية إليهما. الفريق الوطني لكرة القدم، يحظى من القاعدة ومن الاستثناء بعناية مضبوطة ومحسوبة. الكل يطوقه بالعطف والتأهيل والتكوين والعناية والمال، أما الفريق الثاني، الذي تفرزه أرحام الأحزاب السياسية، وأرحام الانتخابات المحلية والتشريعية والصدف والأحداث السياسية، فنتركه يعاني بلا رحمة ولا شفقة من سوء الاحتضان وسوء التأهيل والتكوين، ومن قلة الثقة، أو انعدامها في قدراته وقيمه وثقافته السياسية، وهو ما جعل/ يجعل هذا الفريق ضعيفا في لعبه ضعيفا في فاعليته.
ولان الإصلاح المنشوذ للمغرب الجديد، مغرب الألفية الثالثة، يقتضي أن يكون فريقه السياسي، قادرا على الفعل والتفاعل، وعلى تحمل مسؤوليات التغيير والإصلاح، يتمتع بإرادة صلبة لا تستحيي من الحق، مؤمن، مدرب على التدبير والتخطيط والتنفيذ والقيادة والريادة، له القدرة على صنع القرارات الإيجابية في كل ميادين “اللعب” بالبرلمان أو الحكومة أو خارجهما… كان الواجب على هذا الفريق أن يستفيد من خبرات وتجارب الفريق الكروي (النموذج)، الذي أحاط نفسه بالمدربين الأكفاء، والمعاهد المتخصصة، ومراكز التكوين العليا وغيرها من الوسائط التي جعلت/… وتجعل منه “نجما” في الفضاء الرياضي.
في عالم اليوم، حيث انفتحت أبواب القرية الكونية على تكنولوجيا الإتصال والتواصل، وأصبح العالم قرية مكشوفة للجميع على الجميع، أضحى من السهل على البشرية صناعة الفرق البطلة/ النخب المؤهلة للعب وفق شروط العالم الجديد، وشروطه لعبه الجديدة.
ففي العديد من الدول التي بادرتها مثلنا، الألفية الثالثة بحمولتها التكنولوجية، وصراعاتها السياسية والحضارية، وعولمتها وتنافسيتها الاقتصادية والصناعية، وهي ما تزال على حالة تخلفها في صناعة النخب القادرة على النعاطي مع شروط هذه الألفية، تم إحداث آليات داعمة “لمصانع” النخب القيادية، وهي “مصانع” ما تزا تعيش على ثقافة عتيقة، تعتمد في تشكيل نخبها على التأطير الضعيف، والانتماء الضعيف، والانتخابات الضعيفة، فلم تعد تكتفي بما تفرزه هذه المصانع/ (الانتخابات والأحزاب والمؤسسات) من أطر لقيادة الشأن العام، في المجالس المنتخبة والإرادات الحكومية والمؤسسات المالية والاقتصادية، فأحدثت للتكوين وإعادة التكوين مراكز ومعاهد علمية، تؤهلها لتحمل مسؤولياتها في مؤسسات الشأن العام، تتجاوز “تربيتها” الحزبية الأساسية، وتتجه نحو التكوين السياسي/ الاحترافي، في المراكز والمعاهد المتخصصة.
وبعيدا عن مسألة إعادة تأهيل النخب القيادية التي تفرزها صناديق الاقتراع، في العديد من جهات العالم اليوم، يجب الإقرار، بالنسبة لأوضاعنا المغربية، إن النخب التي تفرزها لنا الانتخابات المتعددة الأهداف والوظائف، وبعيدا عن مستوياتها الثقافية والتربوية والتعليمية، غالبا ما تصل إلى مواقعنا بالبرلمان أو المجالس المحلية، أو بالغرف المهنية أو الخدماتية، ضعيفة التكوين، ليس فقط في ثقافتها السياسية أو في تأطيرها السياسي، ولكن أيضا في المجالات التي ترشحت وانتخبت لها، وفي معرفة طبيعة هذه المجالات، وفي القدرة على تدبيرها، وفيما تحتاجه من تواصل وتكوين، كل القرائن تؤكد، أن غالبية نواب البرلمان، وأعضاء المجالس البلدية والقرية، والغرف المختلفة، يفشلون في أداء مهامهم، ويتخذون من هذه المجالس، غرف للراحة والاسترخاء والنوم، بسبب ضعف تكوينهم الثقافي/ السياسي… فتصبح فاعليتهم مشلولة أمام التحديات التي يواجهونها في المؤسسات التي يتم انتخابهم لها، ومن ثمة يصح وجودهم كعدمه داخل هذه المؤسسات.
إن النظر الدقيق “لفاعلية” النخبة السياسية التي تفرزها صناديق الاقتراع المغشوشة، أو الترشيحات الغير المضبوطة، والغير محسوبة، تعطي الانطباع، أن حالتها تتسم بالجمود، وأنها في الكثير من الأحيان والمناسبات، تؤكد عجزها عن اليسر، أما بسبب ضعفها في التكوين السياسي، أو بسبب ضعفها في علوم ومفاهيم التدبير، وكلاهما آليات أصبحت ضرورية لعمل هذه النخبة في المواقع التي تؤهلها لها العمليات الانتخابية.
إذن ما العمل أمام هذه الحقيقة؟
ما العمل تجاه نخب سياسية، لا تغذيها الأحزاب السياسية والنقابات والهيئات بالتكوين السياسي/ الأكاديمي، ولا بالإديولوجيا، ولا بالتأهيل الاحترافي، قبل أن يدفع بها إلى العمليات الانتخابية، لتجعل منها نخبة/ نخب تمسك بزمام أمور الشأن العام…؟
ما العمل، بعد فشل الأحزاب والنقابات في صنع نخب قادرة على التغيير، أو على دفع المغرب إلى قلب الألفية الثالثة، أو على إصلاح الأداء الديمقراطي الذي من شأنه إعطاء وجه حضاري/ إنساني/ سياسي جديد؟
ما العمل وهذه الأحزاب والناقابات مازالت تعتمد في تشكيل نخبها على التأطير الضعيف والانتماء الضعيف، والثقافة السياسية المتجاوزة، والانتخابات الفاسدة والمغشوشة، والتموقع أي لا يتجاوز الشكل إلى المضمون..؟
ألا يحق للدولة في مثل هذه الحالة معاملة هذه النخب، بنفس المعاملة التي تعامل بها الفريق الوطني لكرة القدم..؟
ألا يحق لها أن تحيط هذه النخبة بالتكوين والتأهيل وتؤسس لها معاهد ومراكز متخصصة، وتجلب لها هي الأخرى “مدربين أكفاء” مؤهلين من الخارج… بأي ثمن، حتى ولو كان هذا الثمن، يساوي أجور كل أعضاء الحكومة..؟
من أجل أن يكون “الفريق الوطني” السياسي، مؤهلا للعب لابد –في الزمن الراهن- من الاستفادة من تجربة الفريق الوطني لكرة القدم، ذلك لأن تجربة هذا الأخير، تقدم للأحزاب وللدولة درسا بالغ الأهمية.
أفلا يدركون…؟