من خلال كتابه: المسرح المغربي جدلية تأسيس
من خلال كتابه: المسرح المغربي جدلية تأسيس
محمد أديب السلاوي
الناقد المسرحي
الدكتور ندير عبد اللطيف
الأستاذ محمد أديب السلاوي ناقد وكاتب وخبير إعلامي وناقد فني، كتب العديد من الدراسات النقدية في الإبداع والفن، في الشعر والمسرح والفنون التشكيلية، كما كتب دراسات في السياسة وعلم الاجتماع. نشر في كثير من المنابر الإعلامية العربية في جل الأقطار العربية، ونشر حوالي 24 كتابا من 1965 إلى الآن.
من كتبه:
1/ المسرح المغربي من أين وإلى أين (وزارة الثقافة/ سوريا 1975)
2/ الاحتفالية في المسرح العربي/ الموسوعة الصغيرة (العراق 1981)
3/ أعلام التشكيل العربي بالمغرب/ وزارة الثقافة والإعلام (العراق 1982)
4/ التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة/ وزارة الثقافة (سوريا 1983)
5/ الشعر المغربي مقاربة تاريخية/ افريقيا الشرق/ الدار البيضاء (1986)
6/ المسرح المغربي البداية والامتداد/ دار وليلي/ مراكش (1986)
7/ الحروفية والحروفيون دار البوكيلي/ القنيطرة (1998)
8/ التشكيل المغربي البحث عن الذات دار مرسم/ الرباط (2009)
9/ مائة عام من الإبداع التشكيلي بالمغرب دار مرسم/ الرباط (2010)
10/ المسرح المغربي جدلية التأسيس دار مرسم/ الرباط (2011)
سنتوقف في هذه القراءة، عند كتابه: المسرح المغربي جدلية التأسيس الذي نحتفل به اليوم*.
****
يتأسس كتاب المسرح المغربي، جدلية التأسيس على خمس إضاءات مسرحية تشكل محطات تاريخه المغربي من بدايات التشكل المسرحي إلى مخاض التأسيس، وهو بذلك يعد ليس مرجعا فحسب للمسرح المغربي، بل يعد مصدرا قويا يعتمد في مقارباته على الوصف والتحليل في منهجه التحليلي على التأريخ والوصف والاستقراء والاستنباط وهي سمة قلما نجدها في كتابات النقد المسرحي المغربي.
إذا كانت الإضاءة الأولى لهذا الكتاب قد خصصها محمد أديب السلاوي للأشكال ما قبل المسرحية في المغرب، أو الأشكال ما قبل المسرح كما يسميها جل الباحثين المسرحيين المغاربة، صنفها الكتاب وحدد معالمها التاريخية، والتعبيرية الفرجوية، ووضع المبررات على أنها تقوم على قوة التعبير والحركة والأداء، تتضمن موضوعا حكائيا وشخصيات وممثلون، مما يجعل منها حدثا مسرحيا قائما بذاته ولذاته. من هنا كان المسرح المغربي كما جاء في ص 48 من أولى المسارح العربية التي سارعت إلى اعتماد الطقوس الاحتفالية في عملية التأصيل.
فإن في هذه الإضاءة انفلت كاتبنا لتوسيع دائرة هذه الفرجات، ولم تصبح تقتصر على الحلقة والبساط وسيدي الكتفي وسلطان الطلبة وبعض الطوائف الصوفية الأخرى كما ذهب في ذلك بعض النقاد والمؤرخين للمسرح كعبد الله شقرون وحسن المنيعي وحسن البحراوي وغيرهم ممن درسوا الظاهرة، بل أضاف الناقد أديب السلاوي إليها أشكالا أخرى صنفها في واحد وعشرون فرجة وكلها تأخذ أشكالا تعبيرية ممسرحة، سواء لفعل قائم بالذات بالمحاكاة أو كرقصات تتخذ حواراتها وإيماءاتها وتعبيرات شخوصها حسا مسرحيا. من هنا جاب محمد أديب السلاوي عبر ربوع المملكة أصنافا متعددة في هذه الأشكال المتنوعة.
إن الكاتب حاول في هذه الإضاءة أن يبرز بعض الخصائص والمكونات المسرحية لكل لون من هذه الأشكال الماقبل المسرحية، ليستنتج بالملموس علاقة طقوسها الاحتفالية، بالأصول التي يمكن أن يكون لها امتداد مع حضارات أخرى إغريقية أو رومانية أو هما معا. أم من أصل مغربي قديم أو مرتبط بسياق سياسي، كسلطان الطلبة، أو مهني حرفي كالبساط وسيدي الكتفي أو ديني، طقوس الطوائف الصوفية وعيساوة، أو فرجوي شعبي كالتبوردة وعبيدات الرما.
بعد ذلك ينتقل محمد أديب السلاوي من اضاءته الأولى (الأشكال ما قبل المسرحية) إلى إضاءة ثانية هي أقرب إلى الأولى وفتح بابا جديدا بعنوان: المسرح المغربي وارهاصات التأسيس، حاول من خلاله أن يتوقف عند التجارب المسرحية، لينتقل بعد ذلك من طقس احتفالي، إلى عرض مسرحي بشروطه التقنية وملابساته الفنية وصيغته الأولية وبما أن مسرحنا المغربي في بدايات التأسيس نحث أسماء في عشرينيات القرن الماضي حينما وفدت فرقة محمد عز الدين المسرحية المصرية إلى المغرب وقدمت مسرحية صلاح الدين الأيوبي، واستطاع هذا الفعل أن يذكي حماس المثقفين، فكانت البداية الحقيقة لتأسيس فرق مسرحية مغربية لعبت أدوارا طلائعية لمجابهة الاستعمار ومحاربة التخلف، وتغذية الحس العربي لصياغة القضية الوطنية، خصوصا وأن مضامين المسرحية/ صلاح الدين الأيوبي تحمل أكثر من دلالة إذا تعلق الأمر بالمجابهة والنضال ضد المستعمر الغاشم.
يشير الكاتب هنا إلى أن انطلاقة المسرح المغربي كانت سنة 1923 بمدينة فاس/ عاصمة المغرب الروحية على يد تلاميذ جامعة القرويين وثانوية المولى ادريس تحت رئاسة قائد من قواد الحركة الوطنية في مغرب تلك الفترة وهو محمد الزغاري.
وبما أن ظهور أي تجربة فنية لابد وأن تبدأ بالتقليد، فإن رواد مسرح هذه الفترة، عملوا على إعادة إخراج مسرحية صلاح الدين الأيوبي لتكون حافزا لمعانقة المسرح والمشاركة فيه وتوسيع دائرة المبدعين داخل تأطير جمعوي جديد، حيث عمل اسم الجوق الفاسي بمشاركة وإدارة أسماء لها وزنها الثقافي والسياسي والإجتماعي، فمن فاس انطلقت التجربة إلى مدن أخرى أواخر عشرينات القرن الماضي بالرباط وسلا وطنجة وتطوان والدار البيضاء، ليصبح المسرح منتشرا بقوة على يد جمعيات جديدة كالجوق الفاسي (1927) بفاس والجوق المغربي للتمثيل العربي 1927 بالربط والجوق السلاوي للتمثيل 1927 بسلا وجمعية الهلال الرياضي (1927) بطنجة وتلاميذ المعهد الحر (1936) بتطوان، وهكذا اخذت تنتشر الجمعيات داخل حضائر المدن وتعمل على انتاج مسرحيات أغلبها عمل بحس وطني وفكر قومي، خصوصا وأن المغرب أنذاك كان يرزخ تحت وطئة الاستعمار الفرنسي والإسباني.
توقف محمد أديب السلاوي في هذه الإضاءة على رصد جملة من الأسماء المسرحية المؤسسة لهذا الفعل في تلك الحقبة، وسجلها للتأريخ حتى تكون مستحضرة في الذاكرة، بل وأكثر من ذلك توقف كثيرا عند ثلاثة أسماء لعبت أدوارا طلائعية، وعرفت حضورا كبير في المسرح المغربي وهذه الأسماء هي محمد القري ومحمد الحداد وعبد الخالق الطريس وكلهم في شمال المغرب، إذ الأول من فاس والثاني من طنجة والثالث من تطوان، فقدم سيرهم الذاتية والفنية وتوقف عند بعض أعمالهم التي ظلت خالدة.
في الإضاءة الثالثة المسرح المغربي في أفق التحديث يتحول بنا الأستاذ محمد أديب السلاوي إلى تجارب أخرى من المسرح المغربي عاشت حركتها فترة الاستقلال واشتغلت في أفق حداثي يتفيأ التجريب ويمتح مشروعه من تجارب غربية قوية في ظل تحولات عرفها العالم، ظاهرة هؤلاء المسرحيين المغاربة قادها رواد مسرح الهواة واستطاعوا من خلالها أن يستقطبوا جمهورا من الطلبة والعمال والحرفيين والعمل داخل أندية وجمعيات تحمل تطلعات وطنية وقومية نضالية، وقد أشار أديب السلاوي إلى أن هذه الفترة كانت تسود بها بعض المصطلحات “كالالتزام” والذي كان يسود الحياة الاجتماعية ويتصدر أدبيات الأحزاب والصحف الوطنية والمنظمات النقابية والجمعيات الثقافية.
مسرح الهواة كان هو من حمل على عاتقه مشعل هذا التطلع واستطاع أن يبني لنفسه صروحا داخل سياق ثقافي وحضورا إيديولوجيا حادا وصارما، من هنا كان الهواة هم الورثة لجيل الرواد المؤسسين، بل وكانوا أيضا البديل القائم للمسرح الرسمي، ويرسم كاتبنا محمد أديب السلاوي داخل هذه الإضاءة خريطة لجغرافية مسرح الهواة، حاول أن يبني معالهما بناء على تقييم تحقيبي في ثلاث مراحل أساسية.
الأولى تمتد من سنة 1950 إلى سنة 1960 والثانية من سنة 1960 إلى سنة 1970 والثالثة من سنة 1970 إلى مطلع الألفية الثالثة، إذ توقف عند كل مرحلة ووضع خصائصها الذاتية ومكوناتها الموضوعية.
في هذا السياق توقف الباحث عند أهم الأسماء التي نحتت حضورها واستطاعت أن تؤتت فضاء هذا المسرح بأعمالها الخالدة تأليفا أو إخراجا أو هما معا، من هنا قدم المؤلف ستة أعلام هم: محمد الكغاط ومحمد تيمد وأحمد العرافي ومحمد شهرمان ويوسف فاضل ومحمد مسكين وقدم سيرة كل واحد منهم، مع تحديد مشروعه الفني في الكتابة، بالاعتماد على بعض المسرحيات أثناء المعالجة والتحليل.
أما الإضاءة الرابعة، فقد خصصها الأستاذ السلاوي لنوع آخر من المسرح المغربي، ويتجلى ذلك في المسرح الفردي أو مسرح المونودراما أو كما يسميه آخرون مسرح الممثل الواحد، ويرجع تاريخ هذه التجربة إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي حين أعلن عنها كتيار في مهرجان نظم بمدينة الرباط سنة 1977. وتأتي هذه التجربة كإضافة إلى التراكمات التجريبية التي يكرسها مسرح الهواة في المغرب منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويشير محمد أديب السلاوي إلى أن هذا التنوع من المسرح أخذ ينشط بشكل بارز في النوادي الأدبية ومسارح الجمعيات، والملتقيات الثقافية على يد ثلة من المسرحيين التجريبيين الشباب، غير أن بعض النقاد يرى أن تراكم المسرح الفردي في هذه الفترة جاء كنتيجة حتمية للأزمة المادية الخانقة التي عاشها مسرح الهواة بالمغرب، بحيث انعكس بشكل سلبي على أدواته الفنية والفكرية، فكانت النتيجة هي اختزال العملية المسرحية برمتها في ممثل واحد، هذا بالإضافة إلى ما عرفه المسرح الهاوي من تضييق ومراقبة وتخويف ممنهج من طرف المؤسسة الثقافية المغربية، فتفاقمت الأزمة وساهمت في خنق الأصوات المسرحية المعبرة، فكان تقليص واختزال العملية المسرحية إلى ممثل واحد، بإمكانيات فردية محدودة، غير أن عمق هذه النوع من المسرح يجعل من الممثل الواحد نقطة ارتكاز ليصبح كل المسرح في المسرح الفردي، مما يثير خيال المتفرج.
ويعطي محمد أديب السلاوي نماذج من الأسماء المؤثتة لفضاء هذا النوع من المسرح والتي حملت مشاعلها من خلال ما قدمت من أعمال خلال فترات متعددة من تاريخ الحركة المسرحية في المغرب، ومن بين هذه الأسماء يذكر:
محمد تيمد، محمد الكغاط، حوري حسين، نبيل لحلو، مومن السميحي، عبد الحق الزروالي، ويحدد القاسم المشترك بين مسرحيات هؤلاء الرواد في استغالها على عن التقنيات الآلية وتركيزها على العنصر الإنساني، بما في ذلك تخزين مخزونات جسم الممثل مع تحطيم كل الحواجز التقليدية (الوهم/ الحقيقة، الواقع/ الممثل/ الخشبة/ القاعة).
وحتى تكتمل الصورة قام محمد أديب السلاوي بمقاربة تحليلية لبعض مسرحيات رواد المسرح الفردي، حيث توقف عند مكوناتها المضمونية والتقنية فاختتار لمحمد تيمد مسرحية الزغننة ولمحمد الكغاط بشار الخير ولنبيل لحلو شريشماتوري ولحوري الحسين الطوفان ولشفيق السحيمي مسرحية حميدو ولعبد الحق الزروالي أربع مسرحيات هي: الوجه والمرآة، وجنائزية الأعراس، رحلة العطش وبرج النور. ليكون المبدع عبد الحق الزروالي أكثر المسرحيين المغاربة حضورا في خريطة المسرح الفردي، بحيث مازال إلى يومنا هذا يراكم تجاربه دون انقطاع، بذلك اتخذ حيزا كبيرا من الدراسة والتحليل في الإضاءة الرابعة من هذا الكتاب.
وفي الإضاءة الخامسة يتوقف محمد أديب السلاوي عند محطة التأصيل في المسرح المغربي. يعنون الإضاءة ب“البحث عن هوية مسرحية أصيلة” ليحلل بنية الخطاب المسرحي من منظور خصوصيات المسرح المغربي ويتبت بصماته الذاتية من خلال الوعي الجمعي المتمثل في التراث العربي مع الإنسلاخ من الأشكال المسرحية الغربية وابتداع أشكال جديدة تراعي ثقافتنا وإرثنا الحضاري، وقد تزعم هذه الحركة أبناء الجيل الجديد، ونخبة من المثقفين المبدعين الشباب المنتمين إلى مسرح الهواة تقوم ثقافتهم المسرحية على التجربة والإحتكاك والتكوين، وقد سجل محمد أديب السلاوي داخل هذه الإضاءة ثلاثة أسماء وازنة هي: أحمد الطيب العلج من خلال البحث عن مسرح شعبي والطيب الصديقي من خلال البحث عن الأصالة والاحتفاء بالفرجة الشاملة، ثم عبد الكريم برشيد من خلال المشروع الاحتفالي والذي أصل للمسرح من منظور يختلف عن مفهوم المسرح الإغريقي.
وحتى تكون المقاربات النقدية لمحمد أديب السلاوي لهذه الإضاءة مشروعة من حيث الطرح سلك إلى تحليل بعض أعمال هؤلاء الرواد، وأخذ يعالج تصوره ويبني ملاحظاته بناء على مسرحياتهم. من هنا قسم الإعمال العلجية إلى مولييرية في البدايات الأولى حينما أخذ الطيب العلج أعمال موليير واستنبتها ومغربها في الواقع المغربي، مثل طارتوف التي حولها إلى ولي الله، والثري النيل التي حولها إلى الحاج العظمة لتتحول مسرحياته في المرحلة الثانية إلى مسرحيات تعرية الواقع، وهي تجربة تزاوج بين المواقف الدرامية والتقنيات المسرحية، ومن بين الأعمال العلجية التي طبعت هذه المرحلة ذكر المؤلف العديد من المسرحيات: كالبلغة المسحورة/ ملاك الدويرة/ الأكباش/ السعد/ الأرض والذئاب/ حليب الضياف، حيث نجد الطيب العلج يوظف الأسطورة والأحدوثة البسيطة في البناء الدرامي وهذا ما جعله يبتكر أسلوبه ونهجه المسرحي بذكاء. أما الطيب الصديقي فإنه استفاد كثيرا من فهمه العميق لحركة المسرح الطلائعي العالمي، حيث قام باقتباس العديد من المسرحيات لكل من غوغول ومولدوني وارسطوفان وبنجونس وطوماسى وبيكت ومارينو ويونسكو، لتأتي المرحلة الثانية ترتبط بالتأليف المسرحي سواء بشكل منفرد، أو مع بعض الكتاب الآخرين، فألف في هذا السياق سلطان الطلبة مع عبد الصمد الكنفاوي/ الأكباش تتمرن مع أحمد الطيب العلج/ النور والديجور والحراز مع عبد السلام الشرايبي/ حكاية وحكاية في سوق عكاظ مع نضال الأشقر/ ملحمة نحن مع جماعة من الكتاب/ أصوات وأصوات مع محمد قاوتي والسعيد الصديقي/ أبو نواس وكان يا مكان مع السعيد الصديقي.
هذا بالإضافة إلى أعمال كثيرة من روائعه المسرحية: المقامات/ السفود/ الامتاع والمؤانسة/ الملوك الثلاثة سيدي ياسين في الطريق واللائحة تطول.
من هنا استطاع الطيب الصديقي أن يؤسس فرجة مسرحية تراثية بديلا للصيغة الغربية ويعمل على المزاوجة بين الأدوات الإخراجية الغربية وانتاج الفرجة الشعبية خصوصا في الساحات العمومية في إطار جمالي.
أما بخصوص عبد الكريم برشيد، فالمسرح عنده يختصر كل الحياة وكل التاريخ الإنساني كما يختزل كل عذاباته وهمومه وأحلامه وتصوراته، فالمشروع الفني عنده يبدأ من الإنسان للإنسان، ولا يمكن أن نتصور إقامة هذا الفن في غياب نظرة متماسكة إلى الإنسان وإلى التاريخ وإلى التراث.
وقد توقف محمد أديب السلاوي، وهو خبير بالاحتفالية، منذ تأسيسها الأولى، عند بعض المفاهيم المرتبطة بمنظورها الفلسفي العام، فسجل أن الاحتفال هو تمرد في التكوين الفكري والموضوعي للعمل المسرحي، وأضاف أن الاحتفال ليس حياة مستقلة، وإنما هو تمثيل وإعادة تمثيل لما حدث، وجوهر ذلك قائم على التشخيص والمشاركة.
ينبني المسرح الاحتفالي على تحطيم الإبهار والإلهام الفني والخداع مع معالجة للمادة التاريخية والتراثية، معالجة ملحمية في نسج الحاضر من أجل إيجاد نظرة مستقبلية ويستشهد الكاتب بمجموعة من النصوص المسرحية لدى عبد الكريم برشيد، انطلاقا من موال البنادق ومرورا بعنترة في المرايا المكسرة، وعرس الأطلس ومنديل الأمان والزاوية وعطيل والخيل والبارود، وسالف لونجة وقراقرس وفارس والأميرة العمياء إلى أن ينتهي بابن الرومي في مدن الصفيح.
عشرة نصوص مسرحية للمسرحي الاحتفالي عبد الكريم برشيد، حاول محمد أديب السلاوي أن يحللها بناء على خصوصيات الاحتفالية كمشروع انساني، فني وفلسفي ضخم.
إننا نهنئ أنفسنا بهذا الكتاب الجميل والرائع الذي أضاف الكثير للمسرح المغربي وأرخ لتجارب وأجيال، كما نهنئ أستاذنا الجليل سيدي محمد أديب السلاوي على هذا الحفر في الذاكرة، وعلى هذا الوشم الأصيل والأنيق الذي اعتقد أنه سيكون طفرة نوعية للكتب النقدية المسرحية لما يحمله من عمق وجدل وفكر. يحمل الصدق والوجدان ويختزل المسافات لتسهيل مهمة الباحث والناقد والدارس والفنان.
هكذا تؤسس الرجالات مسار تاريخ حافل بالعطاء، قابل لتجديد العبقرية المغربية في كل المجالات.
* نص المداخلة التي شارك بها الباحث في احتفالية مسرح محمد الخامس بالرباط يوم 3 نوفمبر 2011 بالناقد الباحث، محمد أديب السلاوي