“محمد الشهبي العلوي: أديب”… من السلطة الرابعة
“محمد الشهبي العلوي: أديب”… من السلطة الرابعة
بكل صراحة، أن تكتب عن “أديب” الأديب المؤدب والكاتب والباحث والصحفي اللامع والمتسيس حتى النخاع، والساخر اللبيب والاجتماعي الرحب الصدر والمتحمل بكل الحوادث والأحداث… معناه أن تتعرض للرجل في أفراحه وأحزانه، في همومه وانشغالاته وقلقه وأمله، وفي وجهات نظره حول شتى القضايا التي تقض مضجع المغرب وتهم ساكنته، ومحيطه الجهوي والدولي، معناه كذلك أن تنبش وتسبر أغوار نفسيته وشطحاته وتهوراته، التي تخفي طيبوبة الفؤاد وتفجر أحاسيس تربية نقية ذات أصول مغربية قحة ومتأصلة؛ معناه أخيرا أن تنتقد الإنسان بكامل الصراحة وبكل أنصاف وذلك من خلال شخصيته وإنتاجه الفكري.
في البداية كانت التربية “الفاسية” وما لها من حمولة اجتماعية متميزة لدى الذاكرة المغربية، لقد شب هذا الاسم على مسمى في وسط عائلي ومحيط اجتماعي متدين متفتح، وتقليدي وحداثي في أن واحد، وتشبع بثقافة عصره السائدة، ونضب من معين التحولات الاجتماعية التي سادت في مغرب ما قبل الاستقلال ثم حماسته وإحباطه وأماله البعيدة (…) ولما استقام عوده الثقافي سارع إلى إفراغ جعبته في مختلف المنابر الصحفية والفكرية والأدبية والمتخصصة ليخرج إلى النور “قلم” يحمل اسما مركبا من محمد أديب السلاوي الأندلسي هذه العلامة ستصبح مع تدرج الزمان “ماركة مسجلة” لدى صفحات المجلات والجرائد والمنصفات ولدى المكتب المغربي لحقوق المؤلف.
بطفوح فورة الشباب “تاه” أديب في متاهات الحياة، حيث تغمس بمهارة العارف والذكي في تناقضاتها وحماقاتها ورزانتها، دون أن ينزلق إلى ما ينطق به أهل فاس “المهبط” (أي الساقط) حفاظا على نبالة الأصل والفصل كما يؤكد على ذلك المغاربة قاطبة، وبكلمة تجرع مرارة وحلاوة شظف ورغد العيش… حتى بلغ أشده ورشد عقله ورزن براعه.
أبان هذه الفترة فتح أديب فؤاده للجميع بدون استثناء للصالح والطالح واكتوى من هذا وذاك دون أن يبدي حقدا دفينا أو طافحا تجاه فلان أو علان واكتفى بإجابة البوهميميين المتجلية في القهقهة المسجلة في اسم أديب السلاوي –دون سواه- يلتقطها جلاس -مثلا- مقهى باليما- أيام العزيا حسرة- أو يحملق المارة بشارع محمد الخامس بعاصمة المملكة بالرباط عن مصدر تلك الضحكة المتميزة ثم يعلقون عليها ويواصلون تقليدها خلال تجوالهم وأحاديثهم غالبا ما كانت تلك “الضحكة” تتفجر حول مائدة يستوي على كراسيها فنانون وتشكيليون ومسرحيون ومفكرون ومؤلفون وسياسيون ونقابيون ومعارف وأحباء وأهل… ومجمل القول نخبة تضم كل مرة فئات اجتماعية تعكس كل عينة من المجتمع المغربي والمشرقي، ذلك قدر الصحفي من بدايته إلى نهايته وهذا هو حال صاحبنا “أديب” انطلاقا من هاته المعاشرة والمخالطة تكون للرجل رصيد انساني بهمومه وانشغالاته، ومن ثقافته الذاتية (العصامية على الأصح) زاد فكري آخر دفعه إلى البحث والتنقيب والتوثيق لتتولد لديه كتابات صحفية (سياسية، فكرية، اجتماعية) في صحف حزبية عتيدة (العلم مثلا) أو حرة أو من تأسيسه هو (الصحافة 1970) الشعبية 1992 أو l’écho de la presse (صدى الصحافة بالفرنسية) بمؤازرة أقلام معروفة أو مجهولة لدى القارئ المتتبع، وذلك بالموازاة مع إصداراته الأدبية المستقلة مثل: ديوان المعداوي (جمع ودراسة وتحقيق) بالإشتراك مع الشاعر أحمد المجاطي وإبراهيم الجمل الصادر عن دار الكتاب بالدار البيضاء سنة 1965، وكتاب المسرح المغربي من أين وإلى أين؟ الصادر عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق سنة 1975، ومن هذا الجانب من الاهتمام انتقل إلى جانب آخر لا يقل أهمية عن سابقه إلا وهو: البانوراما التشكيلية في المغرب.
جاء هذا الاهتمام فيما نعتقد بالاحتكاك اليومي برجالات هذا الميدان الفني الإبداعي، مما دفعه إلى نشر كتاب “أعلام التشكيل العربي بالمغرب” الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام ببغداد سنة 1980، هذا الهاجس الدفين في روح صاحبنا أجبره على تسجيل بروح وطنية ظاهرة “التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة” الصادر عن وزارة الثقافة والارشاد القومي بدمشق سنة 1982.
كما في الأماكن العمومية والرسمية كان يستضيف إلى بيته نخبة من الضيوف من ممثلين ومطربين ورجال مسرح (…) ونتج عنها كتاب عن “الاحتفالية في المسرح المغربي” الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام ببغداد سنة 1983، وخلال استراحة المحارب –كما يقال- قام بنشر كتاب عن “الشعر المغربي (1930-1956)” مقاربة تاريخية الصادر عن دار أفريقيا- الشرق بالدار البيضاء سنة 1984.
ودائما في إطار الإبداع الفني عاد سي السلاوي إلى قضية المسرح حيث نشر كتاب “المسرح المغربي، البداية والامتداد” الصادر عن دار وليلي للطباعة والنشر بمراكش سنة 1991، وكتاب “تضاريس الزمن الإبداعي” الصادر عن دار البوكيلي للطباعة والنشر بالقنيطرة سنة 1995.
وبفضل نشاطاته بمختلف الدواوين والإدارات العمومية كسب خبرة ميدانية عن هذا القطاع الحيوي، وتكونت لديه ثقافة “إدارة” إن صح التعبير، علاوة على تتبعه لمختلف المقالات والتحليلات الصادرة بشتى المنشورات كل ذلك، دفعه إلى نشر كتاب تحت عنوان “هل دقت ساعة الإصلاح؟” الصادر عن نفس الدار سنة 1997.
من عاشر ورافق “أديب” يعلم أنه قارئ نهم ومتتبع ماهر لكل الظواهر، وهذا ما حذا به إلى نشر كتاب مختلف في موضوعه عن “المنحدرات في المغرب والعالم” الصادر عن نفس الدار 1998.
ثم عاوده الحنين إلى الفن والإبداع فنشر كتابا عن “الحروفية والحرفيون” الصادر عن نفس الدار سنة 1999.
وفي نفس السنة وعن نفس الدار قام أديب بشرح ظاهرة الرشوة في كتابه “الرشوة: الأسئلة المعلقة” وتلاه في السنة التالية 2000 بكتاب عن أطفال الفقر ثم كتاب عن “الانتخابات في المغرب إلى أين..؟” الصادر عن دار البوكليلي سنة 2002.
وهو بحق كتاب موثق بعناية عما يمكن للمواطن أو الأجنبي أن يطلع عليه ويتعرف على المسار المؤسساتي في المغرب وآفاقه.
هذا هو أديب –كما خبرته وعاشرته كاتبا موسوعيا، واسع المعرفة بشوشا أنيقا كريما ولكن كذلك متقلبا غضوبا مقاطعا (…) وغيري يحكي عن جلساته الفنية والأدبية يحكي عن جلساته الفنية والأدبية، وقدرته على إضفاء طعم خاص على مرحها ونقاشها (…).
ثمة شيء أخير أريد التنصيص عليه وهو تطور تحرير الكتابة عند “السلاوي” فمن كتابه مسترسلة إلى لجمها ومن سرعة إلى تأني في الكتابة إلى مرحلة الكتابة التوثيقية المتماسكة في منهجيتها أو في وسائلها اللغوية.
وختما، أحببت أن يشاطرني غيري متعة كتابه الذي يعد لنشره قريبا عن “السلطة” الذي أطلعني على مخطوطه، وهو بحق متن توثيقي عن معنى السلطة في القاموس المغربي من تأليف “أديب” من السلطة الرابعة.
صحفي في وكالة المغرب
العربي للأنباء/ الرباط