محمد أديب السلاوي لجريدة الحدت
محمد أديب السلاوي لجريدة الحدت: يشكل الفساد بكل أصنافه ومستوياته منظومة مترابطة حول السلطة والمال ومراكز تدبير الشأن العام.
الكتاب في الزمن الإنتخابي يتم بمحض الصدفة فإن فقرات عديدة من أبوابه، تجيب بشكل أو بآخر، عن التساؤلات المحيرة التي تطرحها المسألة الإنتخابية في بلادنا، والمتعلقة خاصة بالزمن الماضي حيث كانت السلطة تصنع الخرائط والنخب والسياسات والمؤسسات وتعمل على تكريس ذاتيتها خارج القانون، وخارج المنطق وخارج إرادة الرأي العام الوطني.
وأود هنا أن أوكد على حقيقة جوهرية، وهي أن هذا الكتاب، ورغم إدانته المطلقة للبناء الذي اتخذته السلطة لنفسها خلال زمن الإستقلال حيث أشاعت “ثقافة الفساد” وكرست اختيارات الهاجس الأمني، فإنه يشيد بروح التفائل التي يحملها خطاب محمد السادس حول “المفهوم الجديد للسلطة” ويعتبر أن العهد الجديد، بحمولته الفكرية والتاريخية والوطنية، قادر على تصحيح أوضاع السلطة، وجعلها في مستوى طموحات المغاربة وتطلعاتهم الديمقراطية والحضارية.
س: تسلطون الضوء في هذا الكتاب على “سلطة المخزن” ومفاهيمها العتيقة، وتذهبون بعيدا في الدعوة إلى تغيير هذه المفاهيم.
إلى أي حد يستطيع المغرب الراهن في نظركم الأخذ بالمفهوم الجديد للسلطة؟
ج: خصص الخطاب السياسي للملك الشاب محمد السادس نصره الله، حيز واسعا وكبيرا لتحديد السلطة وقد إلتزمت الحكومة الحالية بهذا الخطاب، من خلال مجموعة من التدابير إلا أن الأمر لا يتعلق بمجرد تدابير إدارية، وإنما يتعلق أساسا بسلسلة من الإصلاحات الهيكلية، أهمها الإصلاح الإداري، وإصلاح القضاء.
س: من كتابكم “هل دقت ساعة الإصلاح” إلى لكاتبكم “السلطة.. تحديات التغيير” توقفتم في عدة محطات ترتبط ب: المخدرات في المغرب وفي العالم، وبالرشوة: الأسئلة المعلقة، وبأطفال الفقر، والانتخابات في المغرب إلى أين؟، هل يتعلق أمر هذه الكتابات بمشروع سياسي؟ إذ كان الأمر كذلك، ما هي أهداف هذا المشروع؟
ج: يجب عدم الإدعاء بذلك، ولكن يجب التأكيد على أن الصدف تجعل هذه السلسلة من الكتب تصدر في فترة تاريخية مشحونة بالقلق الاجتماعي والسياسي، لتتخذ في نهاية المطاف شكل “مشروع سياسي وإعلامي” قائم على تفكيك وإعادة تركيب الملفات الأكثر سخونة، والأكثر ارتباطا بالفقر والفساد والتخلف على أرضية واقعنا المريض… وهو ما يجعلها قريبة من هذا التصور.
منهجها القائم على استقراء الوقائع والأحداث والشهادات، يجعل منها محاولة جادة لبسط قضايا الفساد في إطارها الموضوعي، والبحث لها عن حلول وبدائل ومفاتيح للإصلاح… ولكن ذلك لا يرقى بها –في نظري- إلى مستوى المشروع الفكري/ السياسي/ الأكاديمي، الذي يمكن اعتماده لإعادة التوازن إلى هذه القضايا.
إن مهمة رجل الإعلام لا تزيد عن تقريب القضايا إلى الناس/ إلى الرأي العام الواسع، ولا تقل عن مكاشفتهم بالحقيقة كيفما كانت خطورتها وقساوتها. لقد حاولت جهد الإمكان أن أكون واضحا في خطابي، وفي طروحاتي وفي أسلوبي، كما حاولت أن أسلط من موقعي كل الضوء على القضايا التي تناولتها في هذه السلسلة بصدق وأمانة وموضوعية، وهو ما يجعلها في نظر العديد من القراء والباحثين مشروعا سياسيا هادفا.
أنا عن الهدف من ذلك، فاسمحولي أن أؤكد لكم، أن بسط قضايا الفساد أما القارئ العادي… وأمام القارئ المختص، قد يكون هدفه أولا قبل كل شيء، وهو المساهمة في إعطاء دفعة قوية للروح الإصلاحية التي تهيمن منذ فترة طويلة على الفكر السياسي المغربي… أن المنهج الذي اتخذته هذه الإصدارات وبشهادة العديد من الباحثين المختصين، يرمي قبل كل شيء، إلى إبراز معالم الإصلاح كما يراها ويعمل من أجلها المجتمع المدني بكل فضائله وميولاته، وهو ما يعطي هذه السلسلة ميزتها على أرض الواقع.
س: نلاحظ أنكم استعملتم بكثافة في إصدارتكم حول الرشوة والمخدرات والانتخابات والسلطة، كلمة الرشوة والمخدرات والانتخابات والسلطة، كلمة “الفساد” بل نلاحظ أنكم أبدعتم في بعض هذه الإصدارات كلمة “منظومة الفساد” هل تكون هذه الكلمة قد استنفذت نفسها في كتاباتكم الإعلامية؟
ج: لربما يكون الفساد بكل أصنافه وأشكاله ومسؤولياته، يشكل منظومة مترابطة، ولربما كانت هذه المنظومة صنيعة للسياسة وظلها الأزلي/ فلهما (منظومة الفساد والسياسة) علاقة تاريخية مستمرة، يتواجدان معا في هياكل السلطة والحكم، في مراكز تدبير الشأن والرشوة والسلطة وفساد المال العام، منظومة تعيش في خنادق البحث عن السلطة والمال والجاه والبقاء.
في هذا الإطار، ومن أجل ملامسة العلاقة القائمة بين قطبي السياسة والفساد، وجدت نفسي أتوقف في محطات خطيرة وصعبة، كما وجدت نفسي أمام منظومة، لما يمكن النفاذ إليه قبل تفكيك مفاهيمها ورصد مناهجها المعقدة.
ولأن الفساد أصبح ينعكس على الإدارة والسياسة والسلطة والمال والمجتمع والمؤسسات، اتخذ لنفسه شكل منظومة تهدد كل إصلاح وكل انتقال وكل عمل جاد، تتطلب عمل الباحثين والإعلاميين والسياسيين، إضافة إلى عمل الدولة وصرامتها.
واعتقد أن ما أنجزته حتى الآن حول هذه المنظومة لا تشكل سوى مقدمات لا يمكن أن تقوم به الدولة، ولا يمكن أن يقوم به البحث العلمي… والطريق مازال شاقا أمامهما معا.
س: ما دمتم تتحدثون عن مشروع إعلامي، يقوم على تفكيك منظومة الفساد، وإعطاء الإصلاح موقعه في زمن الديمقراطي وحقوق الإنسان، نود أن نسألكم عن الحلقات المتبقية التي تعملون على إنجازها في إطاره…؟
ج: قضايا الفساد في بلادنا كثيرة ومتعددة ومتداخلة، وتكاد تكون غير قابلة للإحصاء ولا أعتقد أني مؤهل للإحاطة بها جميعا… ولكن مع ذلك أعمل في الوقت الراهن على إنجاز ثلاثة حلقات منها، تتعلق بالفساد المالي، والفساد الحزبي والفساد الإداري، أعتقد أنها ستكون جاهزة للنشر خلال السنوات القليلة القادمة بحول الله.
وكما تعلمون فإن الفساد المالي/ الإداري/ السياسي، هو من أكثر أصناف الفساد التي حاصرتنا من كل الجوانب والجهات لدرجة مهولة ومخيفة خلال عهد الإستقلال.
وهي أصناف لا تعود فقط إلى الفقر والأمية والجهل والبطالة وغيرها من معوقات الانتقال الديمقراطي والحضاري، ولكنها أيضا تعود إلى السياسات الفاشلة التي خططتها حكومات عهد الاستقلال، وإلى اتساع الأدوار السياسية والاقتصادية والمالية للفاعلين السياسيين وإلى والسيادة السلطة الشمولية.. وأيضا إلى ضعف مؤسسات القضاء والمراقبة والإعلام، وجميعها تنتمي إلى المرجعية السياسية.
ويجب التأكيد هنا، إلى أن الفساد في أصنافه المختلفة، سواء في ارتباطه بالسياسة أو الإدارة أو المال، يشكل منظومة متكاملة تستقطب ضعف الإرادات وخيانة الوعود واستغلال السلطة والنفوذ، فالفساد المالي، كالفساد السياسي والفساد الإنتخابي كالرشوة وتهريب السلع والمخدرات كالتهريب من الأداء الضريبي يشكل قضية واحدة، تمتد على مساحة واحدة، وتتخذ شكل المنظومة المتشعبة التي تصبح أداة فاعلة لتكريس التخلف والتقهقر والضعف والهشاشة والتدهور. وتتحول إلى سلاح فتاك ضد الديمقراطية والتغيير والإصلاح.. بل وضد الوطن والمواطنة.
في اعتقادي، أن البحث في الفساد ومواجهته، هي مسؤولية جماعية لكل الفاعلين في الحقلين الإعلامي والسياسي وهي مسؤولية كل مواطن يقدس مواطنته.
س: تعرف القرء عليكم قبل أربعة عقود تقريبا ناقدا فنيا وأدبيا، من خلال مقالاتكم بالصحف الوطنية، ومن خلال سلسلة من الإصدارات اهتمت بالشعر والفنون التشكيلية والمسرح، ولكن في العقد الأخير يبدوا أنكم تخليتم عن الإبداع والثقافة، للتفرغوا لمشروعكم الإعلامي ضد الفساد، بماذا تفسرون هذا التخلي؟
ج: يجب الإقرار أولا بأنني لم أتخل عن النقد الفني ولا عن الثقافة، فخلال العقد الأخير، صدرت لي ثلاثة كتب اعتقدها هامة وهي: “المسرح المغربي، البداية وامتداد” (سنة 1991) وتضاريس الزمن الإبداعي (سنة 1995) حول القصة والرواية، والحروفية والحرفيون (سنة 1999)، حول التشكيل المغربي، وقريبا بحول الله سيصدر لي عن دار الأمان ببيروت كتابا ضخما يحمل عنوان “البحث عن الذات” حول المسار الإبداعي المغربي، من السنة 1950 وإلى غاية سنة 2000، ويتضمن قراءة متأنية في المسار المسرحي والتشكيلي والشعري بالمغرب خلال هذه الفترة.
إن اهتمامي السياسي بقضايا الفساد، لا يمكن أن يبعدني عن اهتماماتي الثقافية، حيث الأخرى مازالت أمامي ملفات عديدة، أتمنى أن يرزقني الله الصبر والعمر لأنهي اشتغالي بها، ولإخراجها إلى القراء في الحلة اللائقة بها