وداعا حكومة عباس الفاسي
وداعا حكومة عباس الفاسي
محمد أديب السلاوي
وصل السيد عباس الفاسي زعيم حزب الاستقلال. إلى سدة الوزارة الأولى، قبل أربع سنوات، والمغرب بشهادته وشهادة كل زملائه من السياسيين، يعاني من سلسلة أزمات خانقة، تجاوزت “السكتة القلبية” إلى السكتة الدماغية، ووصلت إلى حد النزيف والخوف واليأس … وكل الأمراض المرتبطة بفراش الموت.
ولأن السيد عباس الفاسي، ينتمي إلى حزب التعادلية والديمقراطية والوطنية والأنسية،/ حزب “الأرض لمن يحرثها”، ومن أين لك هذا، وكل الشعارات الملتهبة التي ورثها عن الزعيم المؤسس علال الفاسي رحمة الله عليه، قبلت النخبة بهذا الرجل، وتجاوزت أخطائه السابقة، وهي كثيرة ومتنوعة وثقيلة، ومن هذه النخبة من استبشر خيرا بخطابه السياسي أمام “نواب الأمة”، أولا من أجل انتمائه لاقدم الأحزاب الوطنية المغربية. وثانيا لأن الحزب، الذي رشحه لمنصب الوزير الأول، كان خطابه السياسي حتى تلك اللحظة، يحمل الأمل، حتى وإن كان ضعيفا، ولا يستطيع إخراج البلاد من أزماتها المتراكمة التي أوصلتها إلى حد ” السكتة الدماغية “.
و لكن، ها هي بلاغات الأحزاب السياسية، ومقالات الصحف الوطنية المستقلة، وتظاهرات النقابات وفعاليات المجتمع المدني، تطلق صرخاتها المدوية يوميا، وعلى رأس الساعة، في وجه السيد عباس الفاسي، حتى قبل أن يتم سنته الأولى بمقر الوزارة الأولى، ذلك المقر، الذي ضحى من أجله بكل غال ونفيس، وتخاصم من أجل الاحتفاظ به مع الأقرباء والزملاء والأصدقاء والأعداء، حيث أتهمه البعض بالتقصير، والبعض الآخر بانعدام المعرفة بأصول الإدارة والحكم، حيث صبت جميع الأصوات خلال السنوات الأربع الماضية، في اتجاه واحد، هو مطالبتها برحيل حكومته قبل أن تزيد الأحوال تأزما وسوء، أو تصل “السكتة الدماغية” لا قدر الله، إلى مالا تحمد عقباه، ولكن ها هي المرحلة تتم، رغم الداء والأعلاء.
****
مباشرة بعد وصول السيد عباس الفاسي، إلى موقع الوزير الأول، التزم أمام الأصدقاء والخصوم، أن يبدأ بمحاربة الفساد المتعدد الصفات والأسماء والانتماءات والأشكال، باعتباره معضلة تقف سدا منيعا في وجه أي إصلاح من شأنه أن يعيد الحياة والثقة إلى القطاعات المنهوكة، وهي كثيرة ومتنوعة ومتداخلة، تمتد من التشغيل إلى التعليم، ومن الصحة إلى الديبلوماسية، ومن الإدارة إلى الصناعة… ويوم تنصيبه وزيرا أولا، التزم أمام البرلمان بمجلسيه، بأن تعمل حكومته ضد الفقر والفساد والمرض والجريمة والبطالة، والاعتداء على المال العام، وضد ثقافة احتكار السلطة ومصادرة الحريات العامة وفساد قيم الانتخابات… واللائحة طويلة وعريضة من الوعود المعسولة، التي أتتت برنامجه الحكومي.
وتأسيسا على هذا الالتزام، أخذ السيد عباس الفاسي موقعه، وبدأ عمله، لتبدأ عملية الانتظار المملة، خاصة من فئات الشعب المغربي التي تكتوي بنار الفساد والغلاء والبطالة والتهميش والفقر، والتي تعاني من ضيق الحريات، ومن ثقافة احتكار السلطة، ومن البطالة وسوء الخدمات والغلاء، حيث أحست أن التزامات الرجل، لا تعدو أن تكون كلاما عابرا في زمن عابر.
وللحقيقة، ففي زمن هذه الحكومة، وقع الصمت المطبق على ملفات الفساد المالي التي التهمت إلى (حدود سنة 2000) ما يناهز 140 مليار درهم، وهو ما يساوي مجموع موارد ميزانية المغرب، أو ثماني مرات مدفوعات مديونيته الخارجية، أو 14 مرة الاحتياطي المغربي من العملة الصعبة.
وحسب الخبراء، أن استرداد المبالغ التي تم اختلاسها في عمليات الفساد المالي ببلادنا الفقيرة المنهكة، خلال العقود الثلاثة الماضية، كان من شأنه بناء 40.000 مدرسة، أو خلق أربعة ملايين منصب شغل لتفادي معضلتي البطالة والفقر.
وفي زمن هذه الحكومة التي يتغنى حزب وزيرها الأول ب”الحرية جهادنا حتى نراها”، تقلصت الحريات العامة، وتراجعت إلى حد اعتقال الصحفيين ومحاكمتهم، والرمي بهم في غياهب السجون، ومنع التظاهرات العمومية للنقابات وجمعيات المجتمع المدني، وإلغاء رخص الأحزاب ومنع الوقفات الاحتجاجية للمأجورين والعاطلين والمكتوين بنار الغلاء، على السواء.
إن احداث صفرو، واحداث سيدي ايفني، واحداث الرباط المتكررة، وما خلفته/ وتخلفه من ضحايا، أحسن دليل على التزام هذه الحكومة.
ففي زمنها، رسمت منظمة العفو الدولية صورة قاتمة للمغرب في تقريرها الذي قدم بلندن، (في السنة الثانية من عمرها)، حيث اتهمت بلادنا صراحة بانتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان، ورجوعها إلى مربع “سنوات الرصاص”، التي اعتمدت الاعتقالات العشوائية، والمحاكمات العشوائية، واستعمال التعذيب والعنف العشوائي في المعتقلات والمخافر… والقمع الممنهج لكل حرية… ولكل انتفاضة، ضدا في القانون. وضدا في المشروعية.
وفي زمن هذه الحكومة أيضا، حيث يتمنى وزيرها الأول إلى حزب ساهم في تأسيس المنظمات الحقوقية، وفي بلورة مفاهيم حقوق الإنسان، يتم إطلاق يد الأمن والقوات المساعدة وقوات التدخل السريع، في استعمال أقصى درجات العنف الغير مبرر، ضد المتظاهرين والمعتصمين، من العاطلين والمعطلين والمهمشين والمنبودين والفقراء، وما أكثرهم في مختلف جهات المغرب وأقاليمه البعيدة والقريبة.
في زمن هذه الحكومة، أصبحت القنوات الفضائية الدولية، والصحافة الوطنية والدولية، ووكالات الأنباء الداخلية والخارجية، تنقل كل يوم “حفلات سلخ الجلد” التي يتعرض لها المواطنين، أمام البرلمان، والعمالات والولايات والمستشفيات، على مرأى ومسمع من الاصدقاء والأعداء على حد سواء.
و في زمن حكومة السيد عباس الفاسي الذي دافع حزبه على عهد زعيمه علال الفاسي وحتى اليوم، على تعميم التعليم وضمان كرسي مدرسي لكل طفل مغربي. يتضاعف عدد التلاميذ المحرومين من مقاعدهم المدرسية، ويتضاعف معهم عدد أطفال الشوارع، والأطفال العاملين، والأطفال المتخلى عنهم، والأطفال المهمشين، لدرجة بدأنا نسمع أصوات صائحة عن هذه الحالة المزرية داخل الحكومة وخارجها، بل داخل المغرب وخارجه.
أكثر من ذلك، في زمن هذه الحكومة، يقع انفجار مهول للجريمة لم تعرف بلادنا مثيلا له في تاريخها الحديث، فمن جرائم العهارة والمتاجرة في البشر، وتكوين شبكات التهريب، إلى جرائم السطو على الأبناك والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، إلى عمليات القتل والاغتصاب والسرقة والنهب، داخل المدارس والسجون والمعامل والشوارع، تستعمل فيها كل أنواع الأسلحة البيضاء والسوداء، حيث تحولت الجريمة إلى ظاهرة تمس بالاستقرار الاجتماعي، ويمس أمن المواطنين في المدن والقرى، خارج كل تبرير، وكل تفسير. رغما على الهاجس الأمني الذي اتخذته منذ البداية منهجا لعملها السياسي. و”اديولوجية” لفكرها العملي.
****
في واقع الأمر، أن لائحة الإخفاقات المسجلة على عهد حكومة السيد عباس الفاسي طويلة وعريضة، وجميعها تؤكد على أن الرجل تخلى كلية عن شعارات ومبادئ حزبه… حيث لم يمارس حتى هذه اللحظة، التي تلزمه مقتضيات الدستور الجديد أن يقدم الحساب ويرحل بدون رجعة، لم يمارس السياسة الاحترافية التي على رجل دولة أن يمارسها تجاه القضايا المطروحة على الركح السياسي الوطني، وهو ما أذى … وما سيؤدي لا محالة إلى عواقب وخيمة.
إن ما حدث خلال عمر هذه الحكومة، من احداث وانتفاضات وتصادمات وتجاوزات على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يؤكد بالملموس، وبما لا يدع مجالا للشك، إنها لم تكن خلال هذه المرحلة، أكثر من حكومة للتدبير اليومي. وأنها كانت حلقة من سلسلة حلقات طبعت المغرب، في زمن الإخفاقات المؤلمة، بالفشل والتراجع.
إن ما صدر عن حكومة السيد عباس الفاسي خلال عمرها غير المديد، من قرارات وسياسات وانتهاكات وأحداث، أكد لكافة المغاربة أنه لم يكن لها أي قرار في الملفات الكبرى المطروحة أمامها بحدة. سواء منها، التي وجدت في عهدها، أو التي ورثتها عن الحكومات السابقة… وتلك هي الحقيقة المرة التي بلورت بحدة المواقف ضدها. والتي تجعلنا نقول لها في أيامها القليلة المتبقية، وداعا… وداعا بدون أسف.