التضامن… في قيمنا الدينية والاجتماعية
التضامن… في قيمنا الدينية والاجتماعية
محمد أديب السلاوي
أعطى جلالة الملك محمد السادس نهاية شهر نوفمبر المنصرم بمدينة ميدلت، انطلاقة الدورة الرابعة عشرة للحملة الوطنية للتضامن.
وتشكل هذه الحملة التي تنظم تحت شعار “لنتحد ضد الحاجة” مناسبة لتجديد التأكيد على تمسك جميع المغاربة بقيم التضامن، من خلال المساهمة في الأنشطة والمشاريع التي تنجزها مؤسسة محمد الخامس للتضامن لفائدة ملايين المحتاجين بمختلف جهات المملكة.
إن مؤسسة محمد الخامس للتضامن ما فتئت منذ إنشائها سنة 1999 تقوم بحملة دون هوادة لمكافحة الفقر والهشاشة، لاسيما في الوسط القروي لتحتل مع مرور الوقت مكانة متميزة كفاعل لا محيد عنه في مجال الإدماج الاجتماعي وكحامل لهموم الفئات الاجتماعية التي تعاني الحرمان، والعوز المادي، خاصة الأشخاص الذين يوجدون في وضعية هشاشة.
وفي هذا الصدد قامت هذه المؤسسة في متم سنة 2010، برصدما مجموعة 3.37 ملايير درهم لفائدة أزيد من 3 ملايين شخص ضمنهم يتامى وذوو الاحتياجات الخاصة وأطفال متخلى عنهم وأرامل وأشخاص مسنون، دون إغفال المرأة والشباب الذين مازالوا يحظون بالأولوية ضمن البرامج والمبادرات التي تطلقها المؤسسة.
وبواسطة شبكتها التي تضم أزيد من 600 مركز اجتماعي تزداد توسعا سنة بعد أخرى، فإن مؤسسة محمد الخامس للتضامن تعكس بشكل جلي رؤية جلالة الملك للتضامن والتآزر، كما أنها تجسد بشكل ممتاز دور الفاعل المركزي في مجال التنمية ومحاربة الفقر والإقصاء.
فبفضل هذه المؤسسة، تمكن مليون شخص من الاستفادة سنويا من الدعم الغذائي خلال شهر رمضان الفضيل، وبفضلها كذلك أصبح 150 ألف شخص آخرين شركاء في برامج للتنمية المستدامة التي أشرفت المؤسسة على تفعليها، وعلاوة على ذلك استطاعت مؤسسة محمد الخامس للتضامن أن تتيح الفرصة لأزيد من 3 آلاف و500 من الأشخاص ذوي الاحتياجات ليستفيدوا كل سنة من الرعاية والتتبع لحالتهم الصحية في مراكز متخصصة إلى جانب تمكين 280 الآف من المعوزين من الاستفادة من القوافل الطبية للتضامن.
فما هو التضامن في القيم الدينية والأخلاقية..؟
وما هي أهدافه الاجتماعية؟
****
التضامن، ليس كلمة قاموسية تطل علينا في المناسبات الدينية، أو الاجتماعية إنها قبل كل شيء خلق، انساني، ثقافي، حضاري، إسلامي، يبرز النزعة الإنسانية التي يعتمدها الذين الإسلامي الحنيف في بناء مجتمع المسلمين، تحتل موقعها في الحياة البشرية، كلما تحركت أداة الإنقاذ من الكوارث، أو من أجل التخفيف من وطأة الفقر وبؤسه.
والتضامن بصيغته الإسلامية، واجب على كل مسلم، فالمسلم يؤدي واجب التكامل والتضامن والتآزر ضمن منظومة واجباته الأخرى، مادامت أسباب ذلك قائمة. فالفقر والتهميش والفاقة وصعوبة ضمان عيش كريم، مظاهر تجعل التضامن واجبا دينيا لا يقل أهمية عن باقي الواجبات الأخرى، ذلك لأن مفاهيمه الدينية، تعني الإعلان المبدئي لنهاية عهد اللامساواة/ عهد الجاهلية الاجتماعية، الذي يمتد في حياة الأمة المسلمة، وحياة الإنسان المسلم، خارج كل برمجة فلسفة سياسية.
وللتضامن في صيغته الإسلامية، آليات مرسومة، منها البر والتراحم والتعاطف والتعايش وصرف الصدقات والكفارات والتبرعات، إذ أعطى الإسلام الحنيف المثال والقدوة، تاركا الآمال معلقة على مدى استجابة المسلم متحمل المسؤولية الاجتماعية التي أناط الإسلام بها المجتمع الإسلامي، وكل فعالياته. ذلك لأن التضامن إرادة مشروطة بالمشاركة الجماعية، يتحمل الجميع مسؤووليتها.
****
ومغربيا، كان التضامن دائما هوية اجتماعية، فالمغرب بلد مسلم، ذو تقاليد عريقة قائمة على مبدأ التضامن، سجل دائما التحام المواطنين كلما أحسوا بخطر يهدد مجتمعهم. فكان التضامن دائما قائما في تجمعاتهم القبلية والمهنية والعائلية، كما كان حاضرا باستمرار في تقاليدهم وأعرافهم وثقافتهم الشعبية.
إن تربية المواطن المغربي، منذ مئات السنين قامت على ثقافة التضامن والتآزر. تجاوزت النطاق الظرفي لمواجهة حالات الفقر، لتكرس عنده المساواة في العيش الكريم، وفي الكفاف والعفاف. ولتكرس عنده ردم فجوات التباعد بين أفراد المجتمع الواحد والحي الواحد والقرية الواحدة، ولتكرس عنده أيضا المساواة في مواجهة المصاعب والكوارث بالقدر الذي يكفل التخفيف منها والحد من مضاعفاتها.
لذلك نعتقد أن حملات التضامن التي قادها جلالة محمد السادس، في السنوات الأخيرة، لم تكن تهدف فقط إلى مساعدة عينات من الفقراء المحتاجين ولكنها بالأساس، كانت تسعى إلى رسم خطوات أولى باتجاه تحسيس القيمين على الاقتصاد الاجتماعي، بوجوب تشييد قيمة التضامن الاجتماعي كشرط من الشروط الضرورية للمحافظة على السلم الاجتماعي.
إن فلسفة التضامن، ومفاهيمه الأخلاقية والدينية انطلاقا من هذه الحملات تفرض على المجتمع المدني، وعلى كافة المؤسسات الحقوقية والاجتماعية، ممارسة المزيد من الضغط على المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والماليين، بقصد تحمل مسؤولياتهم إزاء مسألة التضامن الذي يقتضي نضالا حقيقيا، يوازيه نضال بناء دولة الحق والقانون.
****
ومغربيا أيضا، وبفضل مفاهيمه السياسية، ارتبط مفهوم التضامن بمفهوم المواطنة وحقوق الإنسان والحق في الشغل والصحة والسكن والتعليم والرأي والانتماء وغيرها من الحقوق الأخرى، فالمواطن الحقيقي/ الصالح، هو الذي يؤدي ما عليه من واجبات التكافل والتآزر والتضامن مع المواطنين الآخرين الذين يوجدون في أوضاع اجتماعية مزرية/ يعانون من الفقر والتهميش والفاقة وصعوبة ضمان مستوى كريم من العيش. إنها واجبات المواطنة التي تقول بصوت مرتفع: لكي تكون مواطنا، لا يكفي أن تكون لك جنسية الوطن الذي أنت على أرضه، تنعم بخيراته وحقوقه، ولكن أن تكون متضامنا مع فقرائه، ومع المحتاجين إلى العون والمساعدة من أبنائه.
ولأن الحس بقيم المواطنة، وبقيم الدين الإسلامي لدى أمتنا مازال متقدا مشتعلا في صفوف أبنائها مع جميع الشرائح والطبقات، ولا يزال يشكل مهمازا لتحريك قيم التضامن والتكافل والتعاون على البر والتقوى بين الناس، وعدم قطع الرحم الموصولة بالخالق، نؤكد أن سبل التضامن والخير والإحسان متعددة أمام أغنيائها لرضى الله ورضى الوطن، فأمامهم اليوم مشاريع وجمعيات وحالات لصرف أموالهم في الصدقات الجارية التي يصلهم ثوابها مادامت منفعتها قائمة للذين تصرف لأجلهم.