السلطة بين المفهوم الجديد و”المخزن”
منذ أن طرح شعار “المفهوم الجديد للسلطة” من قبل جلالة الملك محمد السادس، اهتمت جميع الأوساط المعنية بشؤون الفكر والثقافة والسياسية والحقوقية، وكذلك العديد من وسائل الإعلام بموضوع السلطة، وناقشت خصائصها وآلياتها وإفرازها السلبية منذ فترة ما قبل الاستقلال حتى الآن، دون إغفال دور الأجهزة الحكومية التي مارست “سلطتها” بأسلوب قمعي، وهو ما كان محرما تناوله بتحليل موضوعي قبل طرح الشعار المذكور.
الزميل محمد أديب السلاوي، في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان “السلطة تحديات التغيير”، يعالج الموضوع بصراحة “تعكس ميولاته السياسية وانحيازه المطلق لأطروحات المجتمع المدني حول السلطة وإشكالياتها”، كما جاء في تقديم د.عزيز اليخلوفي للكتاب في مقدمة حملت عنوان “الكاتب والقضية”.
يتكون الكتاب من فاتحة وأربعة أبواب تتدرج في تناولها لمفهوم السلطة ابتداء من “تعدد المفاهيم” مرورا بمراحل “الفترة المخزنية” بمختلف تمظهراتها وإفرازاتها، وهو ما نحاول تسليط الضوء عليه في هذا العرض.
النسق الخاص
في الباب الأول الذي يحمل عنوان “السلطة: تعددت المفاهيم والفعل واحد” يستعرض الكاتب مفاهيم السلطة باعتبارها “ركنا أساسا من أركان الدولة” مشروطا بالشريعة والمشروعية، وهي (أي السلطة) حين تنظم الشأن العام وتديره فإن ذلك يتم بواسطة “آليات” تبتكرها لتثبت وجودها.
وبعد استعراض وجيز لمفاهيم السلطة في المفهوم البدائي ومفاهيم الشريعة الإسلامية والأنظمة الديمقراطية الحديثة يستنتج الكاتب أن السلطة “هي القوة والغلبة والقهر عند بعض الأنظمة، وهي الحجة والبرهان عند أنظمة أخرى”، معززا ذلك “بإضاءة مختصرة لمفاهيم السلطة” لغويا ودينيا، لمقاربتها مع “مفاهيم السلطة في الأنظمة المخزنية”، وبعد استعراض تلك المفاهيم، يتوصل الكاتب إلى أن مفهوم السلطة في المغرب يختلف عن سواه من خلال ما أصطلح عليه “المخزن”، وهو نظر المؤلف “مساحة واسعة في الخطاب الاجتماعي، ارتبط بمفاهيم التسلط/ الحكم خارج القانون/ العنف، ومع ذلك ظلت مفاهيمه تكتنز دلالات تاريخية وسياسية عديدة، لما يمثله من سلطة وطقوس وضوابط تقليدية ومحافظة، هي المصدر الطبيعي لإنتاج الخوف والهيبة والامتثال الدائم والترهيب”، ص 31 مستعرضا بذلك آراء عدد من المفكرين ليعدد في نهاية هذا الباب الوظائف الإدارية التي تكون العمود الفقري للسلطة المخزنية، وهو ما أطلق عليه المؤلف “آليات السلطة المخزنية” مركزا على “النسق الخاص” الذي مثلته لعقود طويلة، حتى تعديل بعض قوانينها بعد الاستقلال “دون المساس بجوهرها”.
أم السلط … “أم الوزارات”
في البابين الثاني والثالث وهما جوهر الكتاب ولبه، يتطرق الزميل محمد أديب السلاوي إلى ما يعتبره مرحلة جديدة تبدأ بالتوقيع على عقد الحماية مع فرنسا ثم اسبانيا (سنة 1912) حيث “تأكد للشعب المغربي أن سلطاته المخزنية أصبحت عاجزة عن تجاوز
ضعفه ونظرتها التقليدية لمفهوم الاستقلال” وهو ما مهد الظهور لما يسميه “مخزن عهد الاستغلال”، وبعد استعراضه المشهد السياسي لمغرب عهد الاستقلال، وما حفل به من “نقاشات ساخنة” بين الفاعلين الرئيسيين في البلاد” يؤكد الكتاب أن الدولة توجهت سنة 1956 إلى “تكريس السلطة المخزنية وتأكيد شرعيتها”، وهو ما جعلها تعطي الهاجس الأمني الأولوية في اختياراتها، وهذا ما أكده دستور 1962، وما منح بالتالي لوزارة الداخلية أهمية خاصة باعتبارها وزارة للسلطة.
بعد عرضه لهيكلة وزارة الداخلية واختصاصاتها ومسؤولياتها المتضخمة التي جعلتها “تبسط سيطرتها المطلقة على المصالح والإدارات والوزارات انطلاقا من هاجسها الأمني” ص”60. ينتقل المؤلف إلى شخصية إدريس البصري في الباب الثالث من الكتاب ودوره في تضخم مسؤوليات واختصاصات وزارة الداخلية، معتبرا إياه مرحلة يؤرخ لما قبلها وما بعدها، بالإضافة إلى كونه يمثل بدوره مرحلة ثالثة بعد مرحلة الحسن اليوسي في عهد جلالة الملك محمد الخامس، ومرحلة أوفقير التي تلتها، ويفرد الكاتب صفحات هامة من كتابه حول شخصية إدريس البصري، معتمدا على شهادات عدد من الباحثين والسياسيين في هذا المجال ومن عناوين هذا الباب الذي يحمل عنوان “الإبقاء على المخزنية” نقرأ عناوين لافتة مثل “البقاء على الفساد”، “تكوين النخب المخدومة” وغيرها.
الباب الرابع من الكتاب يخصصه المؤلف للمفهوم الجديد للسلطة حيث يعتبر الخروج من العقلية المخزنية إلى العقلية الديمقراطية هو المفتاح الذي يؤدي إلى “الخروج من النفق”، ولإثبات ذلك يستعرض فقرات هامة من خطب جلالة الملك محمد السادس بهذا الخصوص، يستخلص منها نقاطا عدة هي: رعاية المصالح العمومية، تدبير الشؤون المحلية، المحافظة على الأمن والاستقرار، وأخيرا إشراك المواطنين في المعالجة، رابطا كل هذه النقاط بالسعي إلى “تشجيع انبثاق مجتمع حداثي، وتكريس دولة الحق والقانون” ص” 132، وفي هذا الإطار أيضا يستحضر الكاتب آراء وأفكار عدد من الباحثين والمعنيين التي تصب في مجملها في إعطاء المفهوم الجديد للسلطة “مضمونه العملي المؤسساتي في أعلى الهرم وأسفله على السواء، من خلال الشكل الذي سيتم به جديد اللامركزية وعدم التمركز، وأيضا من خلال مقاربة إشكالات المسألة الدستورية المطروحة بقوة على البلاد” ص: 139، معتبرا دعائم المرحلة الجديد “لن تتميز إلا عبر القطيعة مع سمات المرحلة السابقة، وهذه القطيعة لا يمكن أن تؤسس إلا على مقتضيات القانون وعلى ما تستدعيه الحداثة ودولة الحق والقانون من متطلبات” ص:141.
وفي الأخير لابد من الإشادة أن كتاب “السلطة” صدر عن “دار البوكيلي” للطباعة والنشر والتوزيع بالقنيطرة، وأنجزت غلافه ماجدة الصمعي.
جريدة الصحراء المغربية