مصطفى البحر: محمد أديب السلاوي في عندما يأتي الفساد يدعو إلى استشعار الخطر الداهم؟
الحديث عن حفل توقيع “كتاب” مهم في موضوعه ونوعه، لا يمكن أن يشكل حالة استثنائية في عالم الإصدارات، اللهم إذا كان مضمون هذا الكتاب له من الدلالة الفكرية والثقافية والمعرفية ما يجعله يشكل بالفعل “استثناء” أو ربما لأن مؤلفه يعتبر من الكتاب المعروفين بنزاهة فكرهم، ونباهة وصدقية كتاباتهم… كما أن الكتابات التي تروم وضع سياسي/ واجتماعي/ واقتصادي/ وثقافي لدولة يشكل فيها الفساد القاعدة العامة، قد تكون هذه الكتابات مثار اهتمام ومتابعة، وبالتالي وجب تصنيفها في خانة الاستثناء كما حصل في حفل توقيع كتاب “عندما ياتي الفساد” للكاتب والصحافي الزميل محمد أديب السلاوي… إلى جانب ذلك يمكن القول أن عنوان هذا الكتاب ساهم بشكل وافر في جعل “الحدث” يتخذ طابع الاستثنائية، لما ينطوي عليه من أبعاد سياسية ممزوجة بالدهاء الماكر… دون أن يعني البثة أنه بديل عن مضمون الكتاب…
ونعتقد أن القراءات التي نفذت إلى عمق الموضوع بشأن هذا الكتاب، تكشف بديهية الخلاصة التي أسس عليها الكاتب عنوانه هذا، المتمثلة في الحقيقة المأساوية التي وصلت إليها الحالة في المغرب بفعل قوة انتشار واستفحال ظاهرة الفساد وما مدى قدرتها على الاحتواء الكلي لمؤسسات الدولة وكذا الجداريات التي غدت تتخذها داخل مرافق المملكة بكل توجهاتها.. عندما يأتي الفساد يقول المؤلف في فلسفة أبعاده المقاصدية بكافة إضاءاته التي سطرها تجعلنا بالفعل أمام آلة تذميرية لكل الظواهر الحضارية والهيكلية التي تبنى عليها الدولة، قبل أن نصبح أمام خطر داهم، أدنى خسائره “الإفلاس” الممكن لمؤسسات الدولة عندما يأتي الفساد تجبر الدولة على العيش في مستنقع وبحر من الرمال المتحركة ظاهره لوحات مزركشة، تحاول أن تعطي الانطباع على أن الوضع صحيح، وباطنه مخاض عسير على شفى حفرة من الانفجار، لذلك كانت بعض إضاءات هذا الكتاب التي تحدث فيها المؤلف بعينه الواعية، عن مفردات الأزمة وصفة الحزن الدفين وكذا الشرود الذي يسبق عادة الانفجار في مثل هذه الحالات استنادا إلى قناعات مبدئية تتخلص في فهم الكاتب في كون مظاهر الفساد بالمغرب لم تعد لها تلك الملامح أو الصور التقليدية والكلاسيكية المتداولة، بل اتخذت شكل جداريات غاية في الإبداع والمكر والخداع، وبالتالي كان في أفق هذا التحول الرهيب في أساليب تقعيد “الفساد” أن ابتدع طرق تسويق غير بريئة، تنزع في أهدافها إلى إحكام السيطرة على كل ما هو صالح… وترتيبا على ذلك يمكن أن نفهم أن العنف الذي يمارسه المفسدون داخل المغرب بكل أشكاله وأنواعه هو أحد تمظهرات الاندحار الذي تتوجه إليه مرافق ومؤسسات الدولة بشكل حتمي.. وبالتالي ليس غريبا أن نخسر كما تنطلق بذلك إضاءات الكتاب، في زحمة تواثر هذا الأخطبوط، نعيم التمتع بالانتماء إلى هذا الوطن العزيز… إلى ذلك وتأسيسا على مضامين إصدار “عندما يأتي الفساد” سارعنا داخل هيئة تحرير جريدة “الحدث” كجهة ناشرة له، إلى توقيع هذا الإصدار في حفل غير متوقع بتعاون مع الزملاء في نادي الصحافة بالمغرب في 18 أبريل 2008، لإيماننا القوي، بخصوصية الكتاب وما يتضمنه من تشريح للظاهرة ومحاور جادة لا تقبل التأجيل أو التأخير في تسويقها، إعلاميا بما يليق و”الظاهرة” التي يعالجها الزميل محمد أديب السلاوي وبخاصة في هذه الظرفية بالذات التي تعرفها الساحة الوطنية، حيث مظاهر الفساد على أشدها، بل لم تترك مجالا وإلا نخرت أسسه وأركانه برا وبحرا وجوا وما بينهم… بمعنى الفساد الذي ضرب كل مناحي الحياة العامة للملكة، وبالتالي فالخطر لم يعد يتهدد المجتمع، بل أصبحنا اليوم في خضمه، لذلك فصمت القبور الذي عليه المغرب الآن، لا يعدو كونه مقدمة لعواقب غير متوقعة في القريب العاجل… فرغبتنا بتخصيص حفل لتوقيع كتاب “عندما يأتي الفساد” في هذه الأوقات بالضبط لم يكن من باب الاستهلال أو الاستهلاك الإعلامي المتعارف عليه في مجال الإصدارات الجديدة… بقدر ما حركت نوازعه داخل هيئة تحريرنا بالجريدة نقطتين أساسيتين… تتمثل الأولى في دق ناقوس الخطر بالنسبة للدولة، ومحاولة إشعارها بالهدر المؤسساتي الذي تشكله هذه “الآفة” الرهيبة على خلفية إلغائها لكل مظاهر الحياة العادية والطبيعية، ومن ثمة الدعوة إلى استشعار الخطر مبكرا والحيلولة دون السقوط في مستنقع “اللادولة” ومن ثمة الفوضى وتبيئ جداريات الأزمة المرتبطة بسرطان الفساد… أما النقطة الثانية فنحسبها تتماهى والخط التحريري لجريدة “الحدث” الذي أسس أدبياته منذ الوهلة الأولى وكما جاء في “الملف الصحفي” المخصص لحفل التوقيع… على محاربة الفساد وأثوانه وعدم التساهل مع المفسدين مهما كانت مواقعهم ومناصبهم ومراكزهم وبالتالي فالكتاب المتحدث عنه هو تتويج لمسار طويل وتحصيل حاصل اتخذناه على عاتقنا بكل مسؤولية ومهنية وأخلاق ومبادئ تروم في أبسط أدبيات العمل الصحافي إلى محاربة جميع رموز وبؤر الفساد، وكشف جميع مناطق الظل المرتبطة به، بحسب إمكانياتنا المتواضعة طبعا، وعليه فمضامين وفلسفة كتاب “عندما ياتي الفساد” هو تعبير آخر من التعبيرات الإعلامية والصحفية لمسار جريدة “الحدث” كما أن الأستاذ محمد أديب السلاوي هو قبل كل شيء عضو مؤسس وفاعل ومتفاعل داخل صحفية “الحدث”… وما أتى به كتابه يعتبر فصل من فصول الإستراتيجية الصحافية لأسرة “جريدتنا” عدا أن حفل توقيع الكتاب قبل أن يشكل إضافة نوعية إلى مسارنا المهني هو تشريف وتكريم لزميل وصديق وكاتب من حجم محمد أديب السلاوي وكتاب “عندما يأتي الفساد” يشكل في واقع الأمر حلقة من حلقات وسلسلة الكتب التي نشرناها والمعروفة اختصار ب”كتاب الحدث”… فقد سبق أن أصدرنا مجموعة من الكتب لكل من الزملاء محمد أحمد باهي وعبد الحميد العوني وغيرهم من الكتاب والمؤلفين الذين عملت جريدة “الحدث” على نشر كتبهم ومؤلفاتهم.. بيد أن التابث في الإصدار الجديد للزميل السلاوي، نستهدف من خلاله أن تتخذ السلسلة طابعها الإعلامي والتنظيمي الستمر تحت صيغة كتاب “الحدث” بشكل دائم إلى ذلك وبالعودة إلى حفل توقيع الكتاب وجب التذكير أن هذا اللقاء حظره مجموعة من الأساتذة الأجلاء الذين قدموا شهادات موضوعية متنوعة في مضامين الكتاب كمل في صاحبه، بالإضافة إلى عدد لا يستهان به من المهتمين بالشأن الثقافي والسياسي والفني نظير الأستاذ عبد الحق الزروالي وقيدوم الأغنية المغربية وعميدها الأستاذ فتح الله المغاري وكذا السيد محمد المنصوري المستشار البرلماني السابق ورئيس رؤساء المجالس المحلية بالمغرب بالإضافة إلى شخصيات وفعاليات لها ارتباط وثيق بالفعل الثقافي والإبداعي والإعلامي، ساهموا بشكل لافت في هذا الحفل الأدبي والثقافي المتميز.
* رئيس تحرير جريدة الحدث